الخميس، 27 ديسمبر 2018

إدمان الإباحيات ... حقيقة أم تهويل؟

مصدر الصورة

يعتقد الكثير من الناس أنه لا يوجد ما يمكن تسميته الإدمان على المواد الإباحية. لكن العلم بات يدحض اليوم الاعتقاد القديم القائل بأنه من أجل حصول الإدمان، فلا بد من وجود مادة إدمانية يتم استهلاكها جسدياً؛ مثل السجائر أو الكحول أو المخدرات. فالاستهلاك المفرط للمواد الإباحية يحمل جميع علامات ومخاطر الإدمان الحقيقي.

هل الإدمان على المواد الإباحية حقيقة؟
هنالك جدلٌ قائمٌ الآن في وسائل الإعلام، وحتى في الأوساط الأكاديمية، حول ما إذا كان الاستهلاك القهري للمواد الاباحية هو بالفعل إدمان. وجزء من المشكلة هو ببساطة أن الناس ليسوا متفقين تماماً على ما تعنيه كلمة "إدمان" بالضبط. لكن الدكتور "نورا فولكو"، مديرة المعهد الوطني الأمريكي لتعاطي المخدرات (NIDA)، مقتنعة بأن الإدمان على المواد الإباحية أمرٌ حقيقي. حتى أنها اقترحت تغيير اسم المعهد من أجل شمول "أنواع أخرى من الإدمان مثل المواد الإباحية والمقامرة والطعام".
في الواقع، تُظهر الأبحاث أنه من بين جميع أشكال الترفيه عبر الإنترنت - مثل المقامرة، وألعاب الفيديو، وتصفح المواقع، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي - تعتبر المواد الإباحية الأكثر قابلية لأن تكون نشاطاً/سلوكاً إدمانياً.
لقد اعتاد الأطباء والعلماء على الاعتقاد بأنه لكي يكون هناك إدمانٌ على شيءٍ ما، فيجب أن يكون هناك مادة يتم استهلاكها بشكل مادي في الجسم. مثل السجائر أو الكحول أو المخدرات؛ ولكن بمجرد أن بدأ العلماء في النظر إلى داخل الدماغ، فقد تغير فهمنا لكيفية عمل الإدمان.
فما هو مهم الآن بخصوص الإدمان، أن تركيزنا أصبح ليس بالضرورة على المواد التي تدخل الجسم أو طريقة دخولها إليه، بل ما هيَّة ردود الفعل التي تحدث في الدماغ استجابةً لهذه المواد. فالسجائر والكحول والمخدرات تُدخل موادً كيماوية إلى الجسم بطرقٍ كثيرة: استنشاق، حقن، شرب، وتدخين. ومن جهة أخرى، لا تؤدي المواد الإباحية والإدمانات السلوكية الأخرى، مثل المقامرة، إلى ادخال أي مواد كيميائية أو مواد جديدة إلى الجسم لم تكن موجودة فيه بالفعل. ولكن، هذه السلوكيات تباشرُ عملياتٍ داخل الدماغ مشابهةٍ بشكلٍ مدهش للعمليات التي تحدث نتيجة دخول المواد الإدمانية إلى الجسم، وهذا ما يجعلها مسببة للإدمان، حيث تسيطر على مسارات المكافأة في المخ (لتعرف أكثر اقرأ: الإباحيات والمخدرات .. تأثيرات متشابهة على الدماغ!). وهذا ما تفعله كل مادة إدمانية.
صحيح أن المواد الاباحية قد تدخل الى الدماغ من خلال آلية مختلفة، وصحيح أنها تختلف في ماهيتها عن المواد الإدمانية الأخرى، لكنها في النهاية تفعل نفس الأشياء داخل الدماغ.
يأتي دماغك مجهزاً بما يسمى "مركز المكافآت"، ووظيفته هي تحفيزك للقيام بما يحمي ويضمن بقائك، مثل الأكل للبقاء على قيد الحياة، أو ممارسة الجنس لتمرير جيناتك، وذلك من خلال إغراق دماغك بـ "دوبامين" ومزيج آخر من المواد الكيميائية الأخرى التي تُشعرك بالمتعة في كل مرة تقوم فيها بأحد هذه الأفعال.
لكن دماغك لا يكافئك دائماً على الأشياء الصحيحة، فمثلاً يقوم بإنتاج مستويات عالية من "دوبامين" عندما تتناول كعكة شوكولاتة مقارنة مع ما ينتجه عند تناولك للخبز، لماذا؟ لأنه قبل حوالي 3000 سنة كان من الصعب الحصول على أطعمة ذات سعرات حرارية عالية، فلذلك كان على أجدادنا عندما يعثرون عليها أن يأكلوا كمية أكبر منها طالما لديهم الفرصة لذلك، أما اليوم فعلبة بسكويت "أوريو" لا تبعد أكثر من مسافة الطريق نحو أقرب "سوبر ماركت"، فإذا قمنا بتناولها في كل فرصة تسنح لنا، سنصاب بأمراض القلب والكثير من المشاكل الصحية الأخرى.
الإباحية ببساطة هي وجبات جنسية سريعة "Junk food"[1]، فعندما يستهلك الشخص المواد الإباحية، ينخدع دماغه فيبدأ في ضخ "دوبامين" كما لو كان الشخص يرى شريكاً جنسياً حقاً، بالتأكيد إن إغراق دماغك بالمواد الكيميائية التي تشعرك شعوراً جيداً قد يبدو وكأنه فكرة رائعة في البداية، ولكن مثلما هو الحال مع الوجبات السريعة، فإن الأمر أكثر خطورة مما يبدو[2].
عندما تدخل المواد الإباحية الدماغ، فإنها تُفَعِّلُ مركز المكافأة ليبدأ بدوره بضخ "دوبامين"، الذي يطلق سلسلة من المواد الكيميائية بما في ذلك بروتين يسمى "DeltaFosB"، وظيفة "DeltaFosB" العادية هي بناءُ مساراتٍ عصبيةٍ جديدةٍ بين ما يقوم به شخص ما (مثل استهلاك المواد الإباحية)، وبين المتعة التي يشعر بها، هذه المسارات العصبية الجديدة تكون قوية إلى درجة أنها تتفوق على المسارات الأخرى في الدماغ، مما يجعل العودة إلى استهلاك المواد الإباحية أمراً سهلاً (لتعرف أكثر اقرأ: هل يمكنأن تغير الاباحيات دماغك؟).
ولكن هناك وظيفة أخرى لـ "DeltaFosB"، وهذا هو السبب في أن لقبه هو "المفتاح الجزيئي للإدمان"، بحيث أنه إذا تراكمت كمية كافية من "DeltaFosB"، فإنها تعمل على تفعيل مفتاحٍ جيني يتسبب في تغيرات دائمة في الدماغ تجعل المستخدم أكثر عرضة للإدمان، وبالنسبة للمراهقين، فإن هذا الخطر مرتفعٌ بشكلٍ خاص؛ لأن مركز المكافأة لدى المراهقين يستجيب بشكل أقوى منه في أدمغة البالغين باثنين إلى أربعة أضعاف، ويطلق مستويات أعلى من "دوبامين" وينتج المزيد من "DeltaFosB".
وبوجود كمية كبيرة من "دوبامين" في الدماغ، فإن الدماغ عندها سيحاول الدفاع عن نفسه عن طريق إفراز مادة كيميائية أخرى تسمى CREB، التي تعمل عمل الفرامل في مركز المكافآت، فهي تُبطئ الاستجابة للمواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالسعادة، ومع افراز هذه المادة في الدماغ، فإن المواد الاباحية التي كانت تثير الشخص تتوقف عن احداث نفس التأثير، حيث يعتقد العلماء أن لـ "CREB" دورٌ جزئي في السبب الذي يدفع مستهلكي المواد الاباحية إلى الاستمرار في زيادة استهلاكهم، وتسمى هذه الحالة بـ "التحمل"[3]، وهي جزء من أي نوع من أنواع الإدمان.
ومع تناقص حساسية المستهلكين للمواد الإباحية بسبب زيادة الإفراز المتكرر لـ "دوبامين"، فإنهم غالباً ما يجدون أنفسهم غير قادرين على الشعور بالراحة دون وجود نسبة عالية في أدمغتهم من "دوبامين"، حتى الأنشطة والسلوكيات الأخرى التي كانت تجعلهم سعداء، مثل الخروج مع الأصدقاء أو لعب لعبة مفضلة، تتوقف عن ذلك بسبب تأثيرات التبليد التي يسببها بروتين "CREB"، حيث أنهم يعانون من الرغبة الشديدة لاستهلاك المواد الاباحية، وغالباً ما يجدون أنفسهم يستنزفون الكثير من وقتهم وانتباههم في استهلاك المواد الإباحية، وفي بعض الأحيان على حساب علاقاتهم، ودراستهم ، أو حتى عملهم.
بعضهم يعاني من القلق أو الكآبة إلى أن يتمكنوا من العودة إلى استهلاك الإباحية، وبينما يتعمقون في استهلاكهم، فعادة ما يتحول ميولهم على نحو متزايد إلى المواد الإباحية الأكثر تطرفاً، والكثير من الذين يحاولون التوقف عن استهلاك المواد الاباحية، يقولون إنه من الصعب جداً التوقف.
إذا كانت هذه الأعراض تبدو كأعراض الإدمان الكلاسيكية، حسناً ... فإن مديرة المعهد الوطني الأمريكي لتعاطي المخدرات توافق على ذلك.

ترجمة: محمود ترابي.


[3]  هي حالة فيسيولوجية تتناقص فيها فعالية المادة المخدرة واستجابة المتعاطي، فيتكيف مع المخدر بعد الاستعمال المتكرر له مما يستلزم زيادة الجرعة للحصول على نفس التأثير [المترجم].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019