الأحد، 25 سبتمبر 2016

أنتَ هنا وإن لم يرَك

ESO/F. Comeron
أنتَ هنا، وإن لم يرَك، فلا تجتهد في إظهار نفسك؛ سيراك، سيراك ولو بعد حين. ربما إذا أبقيت على العفن يأكل جلدك، وتركت لدود الجهل أن ينهش عقلك، وأحرقت أصابعك التي تكتب فيها وأنت تحاول أن تطفئ شمعة فكرك، سامحا لضيائك أن يتلاشى في العتمة، ومحولاً نفسك من لؤلؤةٍ إلى حجرٍ أسود، ربما عندها سيراك.

أو قبل ذلك بقليل، عندما ستسمع حشرجة حلقه بوضوح، ثم ينفث آخر زفير ستسمعه منه في حياتك، وقبل أن تُغمَض عينيه لكي ينام إلى الأبد، لربما عندها سينظُر إليك؛ ليراك بعينين جامدتين. ستتذكر فوراً أنه مات قبل أن يُلاحظَ إشراقتك الكبيرة، ومقامك الدُريّ، الذي أغفله طوال عمره، عن قصدٍ، أو عن غيرِ قصد.

ولن تمتلك الجرأة لتقول له حينها: أنا هنا. فليس من اللائق أن تقول لمحتضرٍ: أنا هنا! ولن تنتظر روحه حتى تفارق الجسد؛ لتقولها، فليس من المنطق أن تقول لميتٍ: أنا هنا!

وعلى الرغم من أن لمَعانُكَ كان يُغشي أعين الآخرين، إلا أن عينيه هو بالذات – التي عذبتك طوال عمرك بنظرتها المخذولة – لم يكن عليها أن تُغشى بلمعانك ككل الأعين الأخرى فحسب، بل كان يجب عليها أن تنظُر إليك بعين الفخر، وأن تنظر فيك بعين الحب، ولو لمرة في العمر.

أحقاً ستكفيك نظرته الضبابية الغامضة وهو على فراش الموت؟! وعندما سيُحشرِجُ حلقه، ويَعلقُ الكلام فيه، أتُرى كان يحاول أن يقول: "كنتُ فخوراً بك"؟! أم أنه كان يريد أن يكرر نفس الجملة التي سمِعتَها منه طوال عمرك: "لقد خيبتَ ظني إلى الأبد"؟ حين كان يقولها بطريقةٍ مرعبة، تُشعرك بأن الصبح لن يطلع، وأن العتمة ستأكل قلبك.


عندها سيضيق صدرك، سيتضاعف قهرك، وستلتهم النار قلبك، لا لأنك فقدت عزيزاً، ولا لأنك تذكرت أنك ذات مرة في إحدى أيام مراهقتك كنت حادَّ المزاج معه فرفعت صوتك قليلاً عليه، مما جعلهُ يُعرض عنك لأكثر من أسبوع! بل ستتذكر أمراً أشدُّ قسوةً من كل ذلك، ستتذكرُ أن العمر فات قبلَ أن يراك، وفي هذه اللحظة تماماً ستنطفئ مثل نجمة، متقوقعاً على ذاتك ومتحولاً بالتدريج إلى ثقبٍ أسود، ستقع مُنهاراً كجبلٍ جليدي، أو ستسقط مثل حصان في سباق، لا فرق! وربما سيبتل خداك، ثم ستتبخر عيناك من محجريهما، ولن ترى بعد ذلك إلا الغباش.

هناك تعليقان (2):

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019