الخميس، 27 ديسمبر 2018

الإباحيات والمخدرات .. تأثيرات متشابهة على الدماغ!

مصدر الصورة

قد يكون هذا الموضوع مفاجئاً! ولكن في الحقيقة إن المواد الإباحية [سواءً أكانت صوراً؛ أو فيديوهات؛ أو قصصاً إيروتيكية[1]، تؤثر على الدماغ بطرقٍ مشابهةٍ جداً للمواد الإدمانية، مثل التبغ. حيثُ تشير الدراسات إلى أن المواد الإباحية [بجميع أشكالها] تُحفِّز نفس المناطق التي تعمل المواد الإدمانية على تحفيزها في الدماغ، مما يجعله يُفرز نفس المواد الكيميائية التي تُفرز فيه عندما يتعرض للمواد الإدمانية. حيث تعمل المواد الإباحية على خلقِ مساراتٍ عصبيةٍ جديدةٍ في الدماغ تسبب التوق والرغبة الشديدين بمعاودة الاستهلاك؛ مما يؤدي إلى عودة المُستهلك إلى استهلاك مواد إباحية أكثر تطرفاً؛ للحصول على ذات النشوة السابقة.

للوهلة الأولى، يَصعُب تصديق أن التبغ والإباحية لهما الكثير من القواسم المشتركة. فأحدهما يتم عرضه من خلف "الكاونتر" في محطة الوقود أو "سوبر ماركت" [ويُمنع بيعه لمن هم دون الثامنة عشرة] بسبب أضراره المعروفة؛ والآخر متاح فعلياً في كل مكان. أحدهما من الممكن أن يصبح بسرعة إدماناً مُكلفاً مادياً، بينما يأتي الآخر مجاناً مع الاتصال بالإنترنت. ولنكن صادقين، لا يَعرِضُ "هيو هيفنر"[2] صوراً لأحد المسؤولين التنفيذيين السريين لشركات التبغ على مجلاته الإباحية.
حسناً، أين يكمن التشابه إذن؟ في الواقع إنه داخل الدماغ[3].
في حالة لم تكن جراحَ أعصابٍ [كما هو الأمر بالنسبة لي]، فإنني أضع بين يديك شرحاً مفصلاً حول كيفية عمل الدماغ. في عمق الدماغ هنالكَ ما يسمى بـ "مركز المكافأة"، الذي يعمل على إطلاق المواد الكيميائية التي تُشعِرُك بالمتعة والسعادة داخل دماغك؛ وذلك كلما أتيتَ سلوكاً صحياً، كتناول الطعام، أو القيام بالتمارين الرياضية، أو الاستمتاع بتقبيل من تحب. إن الشعور بالمتعة الذي تحصل عليه نتيجةً لهذه الإفرازات الكيميائية يجعلكَ ترغبُ في تكرار هذا السلوك مرة أخرى، وبفضل مركز المكافأة الخاص بك، فإنَّ دماغكَ يكونُ مُبرمجاً بقوة لتحفيزك على القيام بسلوكياتٍ من شأنها تحسين صحتك وزيادة فرص بقائك على قيد الحياة. في الوضع الطبيعي، إنه نظام رائع!

ولكن المشكلة تكمن في أن الدماغ من الممكن خداعه!
عندما يتم استخدام المواد الإدمانية، فإنها تُعطي الدماغ "إشارةً خاطئة"، وحيث أن الدماغ لا يستطيع التفريق بين العقاقير المخدرة والمكافأة الحقيقية والصحية، لذا فإنه يعمل على تنشيط مركز المكافآت؛ فيتم إطلاق مزيج من المواد الكيميائية من أهمها "دوبامين"، مما يدفع الدماغ إلى البدء في خلق مساراتٍ عصبيةٍ جديدةٍ تعملُ على إيجاد حالة من التوق إلى المكافأة الزائفة. وطالما أن هنالك الكثير من "دوبامين" الفائض في الدماغ، فإن الرغبة الشديدة للاستهلاك ستصبح أقوى، وسيشعر المستهلك بحافز كبير لمواصلة السعي للمزيد من المادة الإدمانية. وبشكل أساسي، تقوم المواد الإدمانية بالسيطرة على الدماغ وتحويل مساراته العصبية في اتجاه آخر لم يكن في الحسبان، فبدلاً من تشجيع الشخص على السلوكيات الصحية، تقود المواد الإدمانية مستهلكها إلى سلوكيات غير صحية على الإطلاق، بل وقد تكون خطيرة أيضاً.

هل خمنت ما الذي يفعل هذا أيضاً؟
وجد الباحثون أن المواد الإباحية والمواد الإدمانية لهما تأثيرات مشابهة جداً على الدماغ، وتختلف هذه التأثيرات بشكل كبير عن كيفية تفاعل الدماغ مع الملذات الطبيعية والصحية كتناول الطعام أو ممارسة الجنس. فكِّر في الأمر، بعد أن تتناول وجبة خفيفة أو تستمتع بلقاء رومانسي، ستنخفض الرغبة الشديدة لديك في النهاية وستشعر بالرضا. لماذا؟ لأن دماغك يحتوي على مفتاح "إيقاف" طبيعي للتمتع بالملذات الطبيعية؛ "فخلايا 'دوبامين' سيتوقف نشاطها بعد الاستهلاك المتكرر من 'المكافأة الطبيعية' كالغذاء أو الجنس"، (نورا فولكو، مديرة المعهد الوطني للإدمان على المخدرات). ولكن المواد الإدمانية تعمل على زيادة مستويات "دوبامين" بشكلٍ كبير دون إعطاء الدماغ فترة راحة. وكلما ازداد عدد الجرعات التي يتعاطاها المدمنين، كلما زاد تدفق "دوبامين" في الدماغ، وكلما أصبحت دوافعهم أكثر قوة للاستمرار في تعاطيها. هذا هو السبب في أن مدمني المخدرات يجدون صعوبة بالغة في التوقف عن التعاطي بعد تعاطيهم للجرعة الأولى. "جرعة واحدة قد تتحول إلى العديد من الجرعات، لدرجة أنه قد يستمر التعاطي طوال عطلة نهاية الأسبوع".

ما الذي لديه القدرة على مواصلة ضخ "دوبامين" إلى الدماغ بلا نهاية؟
لقد عَرَفَ العلماء منذ فترة طويلة أنه يمكن زيادة النشاط الجنسي وتعزيز الأداء الجنسي ببساطة عن طريق تقديم شيء جديد، مثل وضعية جنسية مختلفة؛ أو استخدام لعبة جنسية؛ أو ممارسة الجنس مع شريك جديد. هذا لأن الدماغ يستجيب للمحفزات الجنسية الجديدة عن طريق ضخ المزيد والمزيد من "دوبامين"، مما يغمر الدماغ بـ "دوبامين" كما تفعل المواد المخدرة. والمحفزات الجنسية الجديدة هي بالضبط ما توفره المواقع الإباحية على الإنترنت: تدفق لا نهائي من الصور [والكليبات، والقصص الإيروتيكية] المثيرة الجديدة التي يتم تحميلها بسرعة عالية، وبألوان زاهية، على مدار 24 ساعة في اليوم. وقبل أن يبدأ المستهلك بالملل، يمكنه دائماً منح نفسه جرعة أخرى من "دوبامين" بمجرد النقر على شيء مختلف، شيء أكثر تحفيزاً وتطرفاً من ذي قبل. في الواقع، يتبع استهلاك المواد الإباحية نمطاً قابلاً للتنبؤ به يتشابه بشكل مخيف مع تعاطي المخدرات. ومع مرور الوقت، تؤدي المستويات المفرطة من "دوبامين" في دماغ المستهلك إلى زيادة نسبة التحمل (Tolerance)، تماماً مثلما يحصل في دماغ مستخدم المخدرات. الطريقة نفسها التي يحتاج بها المدمن في النهاية إلى المزيد والمزيد من المخدرات للحصول على النشوة أو حتى الشعور الطبيعي، سينتهي المطاف بمستهلكي المواد الإباحية العادية بالانتقال إلى استهلاكها بكميات أكبر ووقت أطول أو البحث عن إصدارات وأنواع أكثر تطرفاً – أو كليهما – للشعور بنفس الإثارة مرة أخرى. وبمجرد الإدمان على استخدام المواد الإباحية، يمكن أن يؤدي الإقلاع عنها إلى أعراض انسحابية مشابهة لأعراض الانسحاب المصاحبة للإقلاع عن المواد الإدمانية.

لكن تبقى دوماً بارقةُ أمل، فحتى أولئك الذين لديهم إدمانٌ عميق على المواد الإباحية يمكنهم أن يُقلعوا عنها ويستردوا حيواتهم من جديد. في الواقع لقد نجح الآلاف بذلك[4]، وإن كنتَ تريدُ مَصادرَ إضافيةً لك أو لمن يهمك أمره، فانقر هنا لمعرفة المزيد.

ترجمة: محمود ترابي.




[1]  هي نوع من أنواع "الأدب الإباحي" وهو الأدب الذي يحتوي على مواد خيالية أو واقعية تثير قارئها جنسياً، وقد يتخذ شكل الروايات والقصص القصيرة والشعر والمذكرات [المترجم].
[2]  مُنشئ ورئيس تحرير مجلة "Playboy" الشهيرة [المترجم].
[4] See, E.G. Your Brain On Porn. (2010, December 5). Rebooting Accounts. Retrieved From Https://Yourbrainonporn.Com/Rebooting-Accounts; NoFap. Success Stories. Retrieved From Https://Www.Nofap.Com/Forum/Index.Php?Forums/Success-Stories.24/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019