الأحد، 25 سبتمبر 2016

أنتَ هنا وإن لم يرَك

ESO/F. Comeron
أنتَ هنا، وإن لم يرَك، فلا تجتهد في إظهار نفسك؛ سيراك، سيراك ولو بعد حين. ربما إذا أبقيت على العفن يأكل جلدك، وتركت لدود الجهل أن ينهش عقلك، وأحرقت أصابعك التي تكتب فيها وأنت تحاول أن تطفئ شمعة فكرك، سامحا لضيائك أن يتلاشى في العتمة، ومحولاً نفسك من لؤلؤةٍ إلى حجرٍ أسود، ربما عندها سيراك.

أو قبل ذلك بقليل، عندما ستسمع حشرجة حلقه بوضوح، ثم ينفث آخر زفير ستسمعه منه في حياتك، وقبل أن تُغمَض عينيه لكي ينام إلى الأبد، لربما عندها سينظُر إليك؛ ليراك بعينين جامدتين. ستتذكر فوراً أنه مات قبل أن يُلاحظَ إشراقتك الكبيرة، ومقامك الدُريّ، الذي أغفله طوال عمره، عن قصدٍ، أو عن غيرِ قصد.

ولن تمتلك الجرأة لتقول له حينها: أنا هنا. فليس من اللائق أن تقول لمحتضرٍ: أنا هنا! ولن تنتظر روحه حتى تفارق الجسد؛ لتقولها، فليس من المنطق أن تقول لميتٍ: أنا هنا!

وعلى الرغم من أن لمَعانُكَ كان يُغشي أعين الآخرين، إلا أن عينيه هو بالذات – التي عذبتك طوال عمرك بنظرتها المخذولة – لم يكن عليها أن تُغشى بلمعانك ككل الأعين الأخرى فحسب، بل كان يجب عليها أن تنظُر إليك بعين الفخر، وأن تنظر فيك بعين الحب، ولو لمرة في العمر.

أحقاً ستكفيك نظرته الضبابية الغامضة وهو على فراش الموت؟! وعندما سيُحشرِجُ حلقه، ويَعلقُ الكلام فيه، أتُرى كان يحاول أن يقول: "كنتُ فخوراً بك"؟! أم أنه كان يريد أن يكرر نفس الجملة التي سمِعتَها منه طوال عمرك: "لقد خيبتَ ظني إلى الأبد"؟ حين كان يقولها بطريقةٍ مرعبة، تُشعرك بأن الصبح لن يطلع، وأن العتمة ستأكل قلبك.


عندها سيضيق صدرك، سيتضاعف قهرك، وستلتهم النار قلبك، لا لأنك فقدت عزيزاً، ولا لأنك تذكرت أنك ذات مرة في إحدى أيام مراهقتك كنت حادَّ المزاج معه فرفعت صوتك قليلاً عليه، مما جعلهُ يُعرض عنك لأكثر من أسبوع! بل ستتذكر أمراً أشدُّ قسوةً من كل ذلك، ستتذكرُ أن العمر فات قبلَ أن يراك، وفي هذه اللحظة تماماً ستنطفئ مثل نجمة، متقوقعاً على ذاتك ومتحولاً بالتدريج إلى ثقبٍ أسود، ستقع مُنهاراً كجبلٍ جليدي، أو ستسقط مثل حصان في سباق، لا فرق! وربما سيبتل خداك، ثم ستتبخر عيناك من محجريهما، ولن ترى بعد ذلك إلا الغباش.

الخميس، 22 سبتمبر 2016

قبل أن تنقد أحداً عليك معرفة هذه الأمور.



من الضروري بدايةً، أن نعرف ونفَرِّقَ جيداً بين مصطلحين يكثرُ الخلطُ بينهما؛ النقد (Critique) من جهة، والانتقاد (Criticism) من جهة أخرى، فهناك فرقٌ كبيرٌ بين هاتين المفردتين، بالرغم من أن معظم الناس يستعملونهما قاصدين بهما نفس المعنى.

فالنقد يُعرَّف لغةً بأنه: "تمييز الجيد من الرديء، والحسن من القبيح". ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: "بيانُ الأخطاء ومحاولة تقويمها".  وحسب مُعجم المعاني الجامع: "نقَدَ الشّيءَ: بيَّن حسنَه ورديئه، وأظهر عيوبه ومحاسنه".

وتأسيساً على ذلك نَخلُص إلى نتيجة، أن النقد هو اصطلاحاً يعني: "فعلٌ غير منحاز، يوَضِحُ الإيجابيات والسلبيات دون اتهام أو تقريع أو اعتداء، وينتهي إلى تحليلٍ مفصل وتقييمٍ للشيء محل النقد".

في حين أن الانتقاد يهتم أكثر بتصَيُّد الأخطاء والجوانب السلبية دون تصويب أو تبيان للحقيقية ويتوجه غالباً لذم أو انتقاص صاحب العمل ذاته. ويُعرف بأنه: "التعبير عن عدم الموافقة على شخص أو شيء" فهو بالعادة عملٌ سلبي غيرُ مُدَعَّم بالأدلة أو التوضيحات.

والإشكال الكبير اليوم هو أن معظم النُقَّاد لا يجيدون غير النظر للجانب السلبي (وهو جانب مفترض في أي عمل) وبالتالي فهم لا يُضيفون شيئاً لمسيرة الإبداع والإنتاج. ولهذا السبب لا يتذكرهم الناس، ولا يحتفظُ التاريخ بأسمائهم، إلا ما ندر!

وبغض النظر عن كل التعريفات، فالنقد سواءً كان نقداً ذاتياً أم نقداً غيريّاً، هو عملية مهمة جداً في مسيرة تقدم البشرية وارتقاء المجتمعات، وضرورية لتطور كافة أنواع الإبداع، فمع التطور الكبير الذي تشهده الأجناس الإبداعية من سينما، مسرح، موسيقى، رواية، شعر وقصة وغيرها من الفنون. نجد أنه لا بد من وجود حركة نقدية موازية لما يتم عرضه وتقديمه من إبداعات في شتى المجالات. وبدون وجود نقد حقيقي، لما يُعرض ويُقدَّم من إبداعات، فلن يكون هناك أي فرصة للتطور والارتقاء، والبعد عن الأخطاء.

وفي الآونة الأخيرة نلاحظُ ازدياداً ملحوظاً في ممارسة النقد من قبل الكثيرين في العالم العربي، وبالرغم من كثرة الأخطاء التي تشوب هذه الممارسة، إلا أنني أرى أنها حالة صحية وجيدة، حيث نستشِفُ من ذلك، بأن المجتمعات العربية قد بدأت تُدرك وجود الأخطاء، أو على الأقل بدأت تشعر بها.

إلا أن طريقة ممارسة النقد لدينا، يشوبها عدة عيوب، ففي الغالب نرى أن عملية النقد لا تكون مكتملة وكافية لإعطاء ملخص نهائي للمشكلة محل النقد. إضافة إلى رفض فئة أخرى من الناس للنقد واعتباره تعدياً وتهجماً عليهم وعلى معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ...الخ.

وأعتقد أن ذلك يعود لسوء فهم الناقد والمنقود لعملية النقد والطُرُق الأسلم لممارستها، وانتحائهم نحو ممارسة الانتقاد بدلاً من النقد. وسأحاول من خلال هذه المقالة أن أُلخِّص أهم الملاحظات حول عملية النقد وتوضيحها قدر الإمكان.

أولاً: النقد هو إظهار السلبيات والإيجابيات من وجهة نظر الناقد المتخصص والدارس للمسألة، وليس فقط السلبيات. كما ويُظهر كوامن الضعف وكوامن القوة أيضاً، وقد يقترح أحياناً الحلول. وهناك نوعان للنقد، نقد خارجي وهو النظر في أصل المسألة، ونقد داخلي وهو النظر في المسألة نفسها من حيث التركيب والمحتوى.

فمثلا لو كان موضوع النقد هو نص قانوني، فإن النقد الخارجي له يكون في أصله ومصدره والسبب والغاية والهدف من وضعه وهل يمكن تحقيق الغاية المرجوة منه أم لا؟ أما النقد الداخلي له فيكون في ماهية الأمور التي يغطيها والتي لا يغطيها هذا النص، وهل تم بناؤه بشكل سليم وكافٍ أم لا، وهل هناك تعارض بينه وبين نصوص أخرى أم لا، وما هي طُرُق وكيفية وإمكانية تطبيقه وما هو مداه؟ ...الخ.


ثانياً: ليست مهمة الناقد تقديم الحلول، إنما الإشارة فقط إلى إيجابيات وسلبيات المسألة، أما الحلول فهي مهمة الباحثين عن الحلول. يعني هذا أن هناك شخص يقوم بتقديم الزبدة والنتيجة النهائية وتلخيص حالة المسألة موضوع النقد، وهناك شخص آخر يأخذ خلاصة كلام الناقد بالاعتبار خلال رحلته للبحث عن حل للمشكلة. إلا أنه لا يوجد مانع في أن يُقدم الناقد أحياناً الحلول، إن كانت لديه القدرة على ذلك، وقد يقوم بعمل الوظيفتين؛ النقد والبحث عن الحل. إلا أن المسألة تبقى على قدر استطاعته.


ثالثاً: لا يوجد نقد بنّاء وآخر هدّام، النقد نقد وكفى!

يمكننا أن نقول: هذا نقد سليم للمسألة، ثم نرد عليه أو نأخذ به إن أقنعنا. أما إن كان النقد غير سليم فببساطة نقول هذا ليس نقداً وانتهت المسألة. حيث إن النقد كالمعادلة الكيميائية قائم على أسس واضحة كما ذكرت في النقاط السابقة، وليس أي نقد يُعتبر نقداً. فهناك من يوجه انتقاداً (وليس نقداً) لمسألةٍ ما فقط بدافع كرهه لصاحب هذه المسألة، وهناك من يقدم نقداً سليماً للمسألة، النقد الأول الذي اعتدنا على أن نسميه "نقداً هداماً" لا يعتبر نقداً أصلاً!! بل هو الانتقاد الذي يذهب جفاءً، ببساطة لأنه غير قائم على الأسس السليمة للنقد.


رابعاً: النقد اهتمام، وليس تهجماً أو كراهية.

فنحن نشير الى الخطأ من أجل إصلاحه والوصول إلى الأفضل، ونشير إلى الصواب من أجل تثبيته والاستمرار به وتطويره. والنقد لا يحط من قدر المسألة المنقودة، إذ أننا لا ننقد إلا ما نراه جديراً ومستحقاً للنقد.



وختاماً، إن كنتَ شخصاً يمارِسُ النقد، فليس هناك أفضل من الرفق واللين والكلمة الطيبة عند نقد أي شخص أو تصرف أو نتاج إبداعي ما. فسواء اخترت كلمات قاسية أو كلمات لطيفة، ستصل الفكرة، فالأفضل لكَ ولغيركَ أن توصلها بكلمات أبعد ما تكون عن القسوة والغلو. أما إن كنتَ شخصاً يمارَسُ النقد عليه أو على إنتاجه أو تصرفه، فعليكَ دوماً أن تأخذ النقدَ بجديةٍ، فهو فرصة عظيمة لتطوير ذاتك ونتاجاتك. وإن كان نقداً قاسياً بعيداً عن اللين، فعليك أن تصبر وتبحث في مضامينه عما يفيدك.

المصادر:

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

سأحاول أن أعيش

الصورة لأنجيلا باكون كيدويل


يحدثُ أحياناً أن تستيقظَ بمزاجٍ سيئ، ويرافقك سوء مزاجك طوال النهار، إلا أن الأمر مختلفٌ بالنسبة لي؛ لأنني أستيقظ هكذا كل صباح. وبالرغم من كل المحاولات لإصلاح ذلك، فهي إن لم تفشل، فلا تنجح إلا لمددٍ قصيرةٍ متفاوتة، فالكآبة لا تكفُّ عن التسلل إليّ. أعتقد أن الكآبة هي الأصل، والسعادة هي الاستثناء.

ولكن على كل حال فقد وهبني الله موهبة عظيمة في التمثيل، ومنحني من القدرة ما يكفي لإقناع كل أهل الأرض أنني أترنم طرباً وأُحلِّق فرحاً، أستطيع أن أضحك طوال الوقت، وأرسم الابتسامة على وجهي دائماً، متظاهراً بالسعادة وراحة النفس، رغم أنني في الحقيقةِ خلاف ذلك، وقلبي ممتلئٌ بالأسى على آخره.

لقد قررت أن أكتب، أن أفرِّغ قليلاً من الأمراض والهموم التي تنهشني كقطيع من الضباع الجائعة؛ لأنني لم أجد أحداً لألقي عليه بأحزاني وعذاباتي وهلوساتي، ومن يهتم أصلاً! ولذا فإن نديمي الوحيد الآن هي هذه الورقات.

اليوم شعرتُ بعمقِ وحدتي، وأشعرُ أن ما يسري في عروقي الآن أثناء كتابتي لهذه السطور، ليس إلا حِمماً بركانيةً ملتهبة. أنا في ألمٍ فظيع، متعبٌ جداً وقلبي يحترق. اتصلت بأفضل أصدقائي وأقربهم، صديقي "س" أملاً في لقائه، ولكنه كان منشغلاً بشيء ما، واقترَح أن نلتقي بعد الثالثة عصراً، فوافقتُ مع أنني أعرفُ أن ذلكَ لن يحصل، فمثلما هو مقررٌ اليوم، سأذهبُ عند الثالثةِ لحضورِ حفلٍ موسيقيٍ مع صديقتي المعذبة مثلي، وربما أكثر مني، السيدة "ق".

"ق" سيدةٌ طيبةٌ جداً، وواسعةٌ جداً. يُريحني الحديث معها، فكلانا على درجةٍ كبيرةٍ من التشابه. وبرغم فارق العمر الذي يقف بيننا إلا أننا من أقرب الأصدقاء. وأجدني أقول أمامها كل ما يخطر برأسي، دون أن أشعرَ بأنني مضطرٌ لأمارسَ عمليات "الفلترة" على الأفكارِ والكلماتِ التي تتدفقُ مني كسيلِ حممٍ بركانيةٍ جارف، أصبُ على وجهها حممي ولا أخاف عليها من الاحتراق، إنها تتسع لكل شيء.

لا أملك الكثير من المال اليوم، ولذلك لن أشتري تبغاً، بل سأحاول أن أترك التدخين. اللعنة! إنني أحاول منذ خمس سنوات، منذ أن بدأتُ التدخين وأنا أحاولُ أن أقلعَ عنه. اللعنة على التبغ والسجائر، اللعنة على كل الوجود وكل الناس وكل المدخنين وصانعي التبغ والزارعين والحاصدين ... اللعنة عليّ.

لقد آمنتُ دوماً أن هذا العالم ليس أكثرَ من مربعٍ كبيرٍ زواياه هي العناصر الأربع (النار – الماء – الهواء – التراب)، وكل ما عداها زائدٌ عليها أو فروعٌ لها. وأرانا نحنُ البشر نتخبط في كلِّ ملذاتِ هذا العالم دونَ أن نعرفَ كُنهها الحقيقي، فكل شيء زاوية من هذه الزوايا أو خليطٌ منها معاً؛ فلا جُرم إذن أن يختار واحدنا زاويته الخاصة معتبراً إياها كعنوان له، أو على الأقل أن يشعرَ بقربه من أيها، أو قرب أيها منه.

وعندما عرفتُ لأولِ مرة أن هذا الكون عظيم الشَسع يتكون حصراً من هذه المكونات الأربع؛ بدأت أحلل وأفكر في الأمر وأقيس كل شيء على هذا المربع الذي أذهلني حينها، فقلت لربما كنا نحن البشر يحملُ كلٌ منا في مكوناته عنصراً من هذه العناصر بمقدارٍ أكبرَ من العناصر الأخرى، فبدأت أحلَّلُ عائلتي وأصنفهم هكذا بين العناصر الأربع.

 يبدو أن أبي يحملُ في جُلِّه النار؛ فهو كالكبريت يكاد ينفعلُ لأبسطِ الأمورِ وأقلِها (ويعمل من الحبة كبة) وعندما ينطفئ فإن انطفاءه كالنار إذا سُكبت عليها الماء، سريعٌ وخاطف.

أما أمي فعلى ما يبدو أنها من الماءِ خُلِقت؛ فهي دوماً هادئة، تكاد تنفعل فجأة ثم تبدأ تهدأ رويداً رويداً، أراها ساهمة هادئة ولا أدري شيئاً مما يدور في خُلدها، تُحيرني ولا أجدُ لديّ مقدرةً لمعرفةِ ما تفكِّرُ به، وفي الحين ذاته أجدُني عارياً أمامها، أخافُ أن تكتشف ما خَفِيَ فيّ، فهي لها ما يكفي من القدرةِ لتعرفَ كل شيء. وهي أحياناً تَظُنّ، وإن ظَنَّتْ فيا ويلتاه، لأن هذا يعني أنها عرفت.

اليوم قالت لي: "أشكُّ في أنك تصوم"، وما زلتُ حتى الآن مرعوباً من شكها هذا. وذاتَ مرةٍ كادت تُفقِدني صوابي حين قالت لي أنها حلُمت حلماً مزعجاً حتى كادت تأتي إلى غرفتي في عز الليل لتتأكد من حلمها الذي رأتني به أتعاطى المخدرات، وما أرعبني أنني كنت ذاتَ الليلة قد فكرتُ في الأمر بشكلٍ جديٍ تماماً !! أن أجرب تعاطيها. وفي مرة أخرى حين حاولتُ أن أنتحر، وجدتها في الصباح التالي تقولُ لي هكذا فجأة دون أي مقدمات وهي تنظر إلى وجهي والدمع في عينيها: "لو يصير لك شي .. والله بموت وراك" لم أعرف ماذا أفعل حينها، فوجدتُ نفسي أُغَمغِمُ رأسي في حضنها وأبكي بحرقة، فيما كانت –كما اعتادت أن تفعلَ معي حين كنتُ صغيراً – تُرَبِّتُ على ظهري، وتحك بأظافرها جلدة رأسي.

أما أخي الأوسط فهو كأبي من النار صُنِع على ما يبدو. وأخي الآخر، ترابيٌ حتى النخاع، فهو في أشدِ المواقف أسىً أراهُ يُزهرُ وينبتُ دوماً إنباتاً خصيباً.

وأخيراً وجدتُ أنني أنا الوحيد من بينهم الذي عنصُره الرئيسيُ هو الهواء، فالهواءُ هو كل ما أملك، مزاجيٌّ كالهواء، غريبٌ كالهواء، حرٌ، معقدٌ، شفافٌ، هادئٌ تارةً ومجنونٌ أخرى، ليس بالإمكان توقع ردود أفعالي، حتى أنا نفسي أُفَاجأ من نفسي في كثيرٍ من المواقف.

ومع ذلك فإنني أكره نفسي، أكره العالم، أكره كل الناس، لقد فقدت القدرة على الحب، لا أستطيع أن أحب أحداً. إن الشعور الوحيد الذي ما تزال لدي القدرة على الشعور به هو الكره، أستطيع أن أكره، أحقد، ألعن، أشتم، أن أتكلم بفحش الكلام وأكون بذيئاً متجاوزاً كل حدود الأدب واللباقة.

وغير ذلك فإن الشيء الوحيد الذي ما يزال يشدني، هو الجمال، كل شيء جميل يشدني، جمال السهول الفسيحة، الرقبات الطويلات للزرافات، عيون الصقور، مخالب النمور، جناحات الفراشات، إبر النحل، ذيول الفهود، قناديل البحر، بذور التفاح، بيوت النمل، ثمار اللوز، نجوم السماء والكواكب، جمال النساء وخصوصاً السمراواتُ منهن؛ لجمال السمراوات أن يذيبَ قلبي! ... وأخيراً فإن نقطةَ الضعفِ الوحيدة التي ما يزال بإمكانها أن تهزني من الأعماق، هي الأطفال، إنهم قدسُ الأقداس وأكثر المخلوقات جمالاً.

الحرية! أقلقَت مضجعي لسنواتٍ وما زالت، دون أن أفهم معنىً لها. ومؤخراً وصلتُ إلى قناعةٍ بأن لا حرية في هذا الوجود مهما حاولَ الإنسان، فكل مظاهرها خادعة وكاذبة، لا تعريف لها وربما لا وجود. وأحياناً أشعرُ أن الحريةَ شبيهةٌ بالرب؛ هي غامضة، خفية، ضبابية ليس كمثلها شيء. وهي كالشيطان أيضاً، ترانا من حيثُ لا نراها.

النُضج! هذا أمر غريب! أيامٌ مضت وأنا أفكر في ماهيته، وأقول بيني وبيني، هل للنضج علاقة فيما يؤول إليه حالي؟ أحقاً تراني نضجت؟ أفكِّرُ فيما حصل، وأتساءل ماذا دهاني؟! لو أن أمراً كهذا حدثَ قبل سنة أو سنتين لكنتُ أقمتُ الدُنيا ولم أُقعِدها، أما الآن أجدني هادئاً مستكيناً كأن لا شيء حدث. هدوء وسكينة وأمان رهيب يحضرني الآن.

إن هذا لأمرٌ مُريب، وبحقٍ إنه أمر مُخيف. أشعر كأن شيطاناً يتربص بي ويهمس في أذني: "احذر شعور السكينة والأمان، فما هو آتٍ رهيبٌ خطيرٌ مريبٌ".

منذ أيام جاء أحد الأشخاص وسألني عما حصل، محتجاً بأنه يسعى لمعرفة الحقيقة، حتى يكونَ سهلاً عليه اتخاذ موقفٍ، فهو يزعم أنه يتعامل مع هذه الأمور كما لو أنها مسَّته شخصياً، وأراد يوهمني أنه يهتم لأمري. صمتٌ طويلٌ قبل أن أنبس، ثم أخيراً قلت له: "ما حصل أمرٌ طبيعي جداً، لا تشغل بالك". ثم انصرفت تاركاً إياه خلفي حائراً مشتتاً لا يلوي على شيء، وربما كان يلوي، لا أدري ولا يهمني أصلاً.

هل ينضج الإنسان حقاً؟ لستُ متيقناً من ذلك، إنما ما هو بديهي بالنسبة لي الآن وحقيقيٌ تماماً، هو أن الإنسان يتغير، ويزداد عمقاً بتراكم الخبرات والأحداث، لربما هذا هو السبب خلف هدوء المرء وتعامله البارد مع الأشياء الكبيرة التي تحصل يوماً بعد آخر، وربما أكثرُ المخلوقات على هذه الأرض تغيراً هو الإنسان، ينقلب حاله من حال إلى آخر، ولا يعود يتذكر ما كانت حقيقته! ولهذا إن غابَ أحدهم عني مدة كافيةً لأدركَ أن ما كان يربِطُني به قد انفصم، أجدني لستُ راغباً في التواصل معه من جديد، لأنني أدرك حينها أنه تغير وانتهى الأمر، بل كلانا تغير، وما اعتاد أن يرتقنا قد انفتق.

الخوف! إني أخاف، ومعنى ذلك أنني أتألم. لماذا؟! لأنني لم أخف من قبل كما أخاف اليوم، ولطالما تشدقت بالقول، أنَّ آخر مرة جربت فيها شعور الخوف كانت حين اعتقلَ بنو صهيون أخي، ثم بعدها ما عاد شيءٌ في الدنيا يخيفني.

أما الآن، إني أخاف حقاً، وأتقوقع على نفسي وأبكي، لا أعرف ماذا عليَّ أن أفعل وماذا أقول وكيف أتصرف؛ لأدفع هذا الخوفَ عن نفسي. كثيرةٌ هي الأشباح التي صارت تُرعبني مؤخراً. إن هذا ليس أمراً طبيعياً، ليس من الطبيعي أن أخاف!!

أشعرُ أنَّ أكثرَ ما يُخيفني الآن هم أولئك الذين أُحبهم من كل قلبي، لأنني أعتقد أن الذين نحبهم لا ينبغي أن نثق بهم، أما الذين نثق بهم هم الذين يمكننا أن نحبهم.

لا أدري لماذا أقول هذا الآن، وحقاً لست أعرف معنىً لما أهرِف به! ربما كنتُ أريدُ أن أقول: أخاف أن أثق في الناس، أن أقول لهم ما في قلبي، أن أُظهِرَ لهم مشاعري، أن أكون قريباً منهم؛ لأن هذا أمرٌ مخيف..... ماذا؟! أخاف لأن هذا أمرٌ مخيف؟!! بالله ماذا دهاني؟! حتى أبسط قواعد المنطق بدأت تغيب عني، وأنا الذي لطالما عالج الأمور بالمنطق!!!

أعتقد أنني أريد أن أقول ببساطة: لا أريد لأحدٍ أن يحمل في قلبه أي شيء عني أو مني. إن التفكير في أن أحدهم يعرفُ أسرارَ نفسي وتفاصيلَ أفكاري، أن أحدهم يرى عُرييَ الفاضح، أن أحدهم صار قريباً جداً إلى قلبي وقوقعتي... أوووه إنه لأمرٌ يرعبني بحق.

حقا! في الماضي كنت لا أخاف، وكان قلبي خفيفاً لا يحمل أياً من الهواجس هذه؛ ربما لأنني لم أكن أفكر فيها، كنتُ صندوقاً مغلقاً حتى أنا نفسي لم أكن أعِ ما كان يختبئ في داخلي، أما الآن فقد انفتح الصندوق فجأة، وانطلقت كل الوحوش وهي تزمجر وتعوي.

كان لانفتاح الصندوق أن غيَّر كل شيء بسرعة خاطفة، وفجأةً شعرتُ بتغيري أنا نفسي، وبانكشاف ذاتي أمامي؛ ولربما لهذا السبب أخاف. لم أكن منتبهاً إلى أن كل شيء كان في طريقه إلى التغيير، فقط لو أني انتبهت، لو أني انتبهت قليلاً إلى ما كان يحيطني. لقد كان التغيير سريعاً، سريعاً جداً، لقد كان أسرعَ مني. ولا ألوم أحداً على ذلك غير نفسي.

لا أريد من هذا العالم الآن سوى أن أبكي أمام امرأة جميلة، أو أن أحتضن طفلاً، ثم أموتُ في سهل فسيح، ولتأكل النمور جسدي، ولتنبتُ شجرةُ اللوز التي فيَّ مكاني، وليشرب النحلُ رحيقَ أزهارها، ثم فليأتي واحدٌ متعب مثلي ليستظل في ظل لوزتي ويأكل من ثمارها.

إنني أتخبط في الكتابة، تظهرُ الفكرة التي أريدُ التعبيرَ عنها في رأسي، وحين أشرُع في كتابتها تختفي، فأجدني بلا وعيٍ أكتب غيرها. لربما هو الخوف مرة أخرى! ومرة أخرى يعود السؤال، أهذا نضجٌ أم مللٌ أم جنون؟! أهو خوف أم حرية؟! بحق الله ما هذا؟!

إن أفكاري وكلماتي كماءٍ حُصِرَ في سدٍ كان من المفترض به أن يكون منيعاً، ولكن لخطأٍ هندسيٍ ما، تفجَّر السد؛ فانسابت وتدفقت هائجة مدمرةً كل شيء، لا سلطة لي عليها، ولا مقدرةً على كبحها، تقفز الكلمات مني دون إرادتي، ولا أجد أي ترابطٍ بين فقراتِ هذا النص، ولكنني لسبب ما، أراه مستحقاً للنشر.

ربما تكون غلطةً أن أنشر هذا الكلام الكثير. ربما تكون غلطةً أن أكون واضحاً إلى هذا الحد، وصريحاً تماماً دون أي محاولة لإخفاء هواجسي! ولكنني سأنشره كما هو، هكذا دون أي تقليم أو تعديل أو تحرير.

أعتقد أنه لكي نكتب عن أنفسنا، فلا بد من أن نكون صادقين، في المقام الأول مع أنفسنا، وفي الثاني مع قرائنا. وإذا غاب الصدق مما نكتب، وسعينا لنجعل من أنفسنا ملائكة لا تخطئ وأبطالاً لا تتعثر؛ فإن علينا إذن أن ننظر باحتقارٍ إلىأنفسنا وما كتبناه. لأن غياب الصدق من النص، يعني أننا نقتل روحه.

أشعر برغبة بالغة بالبكاء، رغبة بأن أمزقَ كل شيء، وأفجرَ بركاناً في قلبي. أن أحرق هذا العالم وأبني على أنقاضه عالماً آخر، أريدُ حقاً أن أمزق نفسي التي أكرهها ثم أحرقها، وأخلق من رمادها نفسي مرة أخرى.

لقد كنت أشرع فيما مضى ببناء تذكارٍ لأحزاني، وأبكي كلما نظرت إليه. الآن كسرته، سأحاول أن أعيش، سأحاول أن أحبَ من جديد، سأحاول أن أكون بكلي للفتاة التي سأحبها، أو لعلي، لعلي سأعبدها.
منشور في موقع هواء للكتابة

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

مراجعة: كتاب حوار مع صديقي الملحد

حوار مع صديقي الملحد حوار مع صديقي الملحد by مصطفى محمود
My rating: 3 of 5 stars



بصراحة الكتاب خيب أملي !! ، كان يفترض ان يسمى "حوار مع صديقي الذي ينتمي لديانة غير الاسلام" وليس حوار مع صديقي الملحد !!

لأن هذه التساؤلات أصلاً وان كان جزءاً بسيط منها من تساؤلات الملحدين الا انها في الاغلب اسئلة يطرحها اشخاص من ديانات اخرى او عبارة عن شبهات حول الدين .. وحتى الاجابات هي ليست اجابات علمية او منطقية لنرد بها على تساؤلات الملحد، فالملحد يسالك في العلم ويريد اجابة علمية. ولا يريد ان يسمع وجهة نظر دينك في الموضوع الذي أثاره !! ، انا شخصياً لم يقنعني كثيرا مما اروده الدكتور في كتابه رغم انني أؤمن بالله !!

اضافة الى انه ايضا لم يعجبني بالمرة طرحه ونقاشه لقضية المرأة في الكتاب لانه يظهر من ذلك انكار لدورها وعقلها .. !!

وبالتالي ارى ان العنوان للاسف لم يوفق به الدكتور !! و90% من محتوى الكتاب لا يصلح ليكون اجابة على تساؤلات شخص ملحد، بل ربما ينفع مع شخص مسيحي او بوذي او يهودي ...الخ او مسلم لديه بعض الشبهات ..

ملاحظة : انا لا اطلب من المؤلف ان يثبت وجود الله عن طريق العلم، ولكن عند السؤال في العلم لا ينبغي ان نرد بالروحانيات !!


View all my reviews

مراجعة: رواية حب حيفا

حب حيفا حب حيفا by دنيا سنونو
My rating: 1 of 5 stars

قد تكون هذه المراجعة جارحة، وقد تكون ساديَّة أيضاً .. ولهذا وجب التنويه !!

هذا الكتاب لا يشبه الكتب سوى في أنه مرصوص على الورق !!!!

مثل هذه الأعمال يكفيني أنني أضعت وقتي عبثاً في قراءتها، ولذلك فأنا غالباً لا أضيع وقتي لكتابة مراجعة لها، لأنها ببساطة لا تستحق !

أما هذه الرواية .. أو دعنا نسميها بإسمها، فهمي ما كانت رواية ولن تكون .. قد نسميها نصوص جُمعت وسُردت بشكل قصصي سخيف على طريقة الكُتاب المراهقين.

حيث يظهر واضحاً جداً النَفَس المراهق فيها !! ، هذا العمل الأدبي سأكتب فيه مراجعة .. لأنه العمل الأول للكاتبة، ولأنه لم يعجبني مثل أي عمل أول لأي كاتب مبتديء، ولكني لمست فيه شذراتٍ من جمال وأسلوب كتابي لطيف وتعابير وتصويرات جميلة، مما يدل على امتلاك الكاتبة لثروة لغوية لا بأس بها، فلذلك فإني أراهن على أن العمل القادم سيكون أفضل وأقوى وأجمل، اذا تم توجيه الارشادات والانتقادات لهذا النص والى الكاتبة واسلوبها الكتابي، ومساعدتها في انتقاء موضوعات روايتها، واذا اخذت الكاتبة بنصيحتنا وهي أن تقرأ أكثر وأكثر وأكثر وفي كافة المجالات، فسأكون متأكداً جداً من أن العمل القادم سيكون أقوى.

فلنعتبر أنه مجرد تشجيع للكاتبة بطريقة سلبية.

وبناءً على ما سبق وما سيأتي، ألتمس من الكاتبة أن تسامحني على قسوتي فيما سأكتب :)

أثناء قراءتي "للرواية" كنت أبحث عن الرواية في داخلها، لا علاقة لهذه النصوص بالفن الروائي اطلاقاً !!

لا حبكة، لا أحداث، لا مفاصل أو فصول، إغفال جانب كبير من الأمور الفنية في النص، الإنشغال بحوارات سخيفة جداً، لا منعطفات، حتى مطبات لم أجد !! .. وكأن هذا العمل عبارة عن قصة تُسرد على لسان مراهقة .. يعني باختصار (خراريف)

موضوع البيرا ... لا أدري ما الحكمة منه !! .. ما هو الجذاب أو المفيد في أن يشرب آدم البيرا، ثم يسكر (مع العلم أن البيرا لا تُسكر بالشكل الذي صورته "الكاتبة"، وهذا قصور في الإطلاع والثقافة التي يجب أن يتحلى بها الكاتب !!) ثم تغضب منه قمر، ثم تمرض وتدخل المشفى، ثم تغفر له !!!!!

من أول صفحة حتى آخر صفحة فقط سرد سرد سرد ... ويا ليته سرد نافع، أو جذاب أو مفيد، أو فيه ما هو جديد !! .. كله تكرار وتكرار فقط، لم يوجد فكرة جديدة أو اضافة جديدة فيها !

هذا النص ببساطة يمكن أن يُختصر في 10 صفحات فقط لا أكثر.

يكفي الى هذا الحد..

لقد أعطيت هذا العمل نجمة واحدة فقط،ولو كان هناك أقل من نجمة لأعطيته أقل.

أتمنى أن اعطي العمل القادم أكثر من ذلك.

انصح بقراءة هذه المقالة :

http://www.takweeen.com/?p=6528

View all my reviews

الخميس، 1 سبتمبر 2016

وهم نظرية التطور ؟!!



هذا الفيديو (الصاروخي) كما يسمى أو الضربة القاضية لنظرية التطور، كما أسماه آخرون، نُشر وتفجر في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، فمن حقي كشخص مقتنع بالنظرية أن أبدي رأيي في الأمر.

في هذا الفيديو يستخدم المذيع مغالطة منطقية واضحة جداً وهي "الاحتكام للجهل"، بمعنى: إن كنتَ غير قادر على إثبات شيء، فتؤخذ عدم قدرتك هذه، على أنها دليل على عدم صحة هذا الشيء. مثلاً: لا يوجد دليل على وجود العفاريت، إذن هي غير موجودة. مثال آخر: عدد شعر رأسي هو 56849 شعرة، وإن أنكرت ذلك فعليك أن تثبت خطأي بأن تقوم أنت بالعد (في هذه الحالة، القائل والسامع جاهليّن بعدد الشعر).

وهذا الفيديو يصرِّح فيه المذيع بوضوح: إن لم تكن قادراً على إعطائي دليلاً ملموساً على التطور، فإن هذا معناه أن التطور غير صحيح. طبعاً هذا الطلب هو ضرب من الجنون أو الهبل!! لأن النظرية تقول: إن عملية التطور من نوع إلى نوع، أصلاً تحتاج إلى ملايين الطفرات المتراكمة على مرّ آلاف أو ملايين السنين !! مما يعني ببساطة أن المذيع أصلاً على ما يبدو أنه غير مستوعب للنظرية!

وأتساءل الآن، هل لي أن أستعمل نفس النسق وأسأل: " هل هناك ادلة واضحة وملموسة على قصة آدم وحواء التي حصلت منذ ملايين السنين؟!!!"

أما بالنسبة للطلاب والأساتذة الذين تم طرح الأسئلة عليهم، فربما لعدم اطلاعهم على علم المنطق والمحاجات، لم يكونوا قادرين على الرد بهذه الصورة، واكتفوا بإنكار وجود دليل، لأنه في الحقيقة وعملياً غير موجود !! (وهذه سلبية كبيرة اليوم عند معظم متخصصي العلوم، أقصد أنهم غير مطلعين على الفلسفة والمنطق والمحاجات). وربما يكون الفيديو كله على بعضه مفبرك !!

على كل حال، النظرية تتحدث عن شقين، الأول: هو التطور الصغروي (Microevolution)، وهو تطور صفات معينة في الكائنات نفسها، مما يبقيها بنفس النوع وبنفس الشكل، مع اختلافات بسيطة جداً، تحصل لتتلاءم مع البيئة التي تعيش فيها.

أما الشِق الثاني: وهو التطور الكبروي (Macroevolution)، يُقصد به التطور من نوع إلى نوع آخر، كأن نقول إن الطيور تطورت من الزواحف، وإن الحوت تطور من النمر ... وهكذا. وهو الذي يطالب المذيع في هذا الفيديو بدليلٍ عليه. وطبعاً أبسط دارس لنظرية التطور يعرف أن هذا السؤال هو من أغبى ما قد يُسأل عن التطور!

وخلاصة ما تقوله النظرية، أن كل الكائنات الموجودة على وجه الأرض لها أسلاف مشتركة فيما بينها، تطورت عنها لتصبح على ما هي عليها اليوم. إذن نحن لم نتطور عن الشمبانزي، إنما نشترك والشمبانزي في السلف المشترك، وبلغة أبسط (أولاد عمومة).

وبالنهاية، ليس من الضروري أن أرى الديناصور أو الماموث أمامي الآن حتى أصدق بوجوده، يكفي أن أرى بعض الآثار التي تدل على أنه كان موجوداً يوماً ما. وكذلك ليس من الضروري أن أرى الأدلة الملموسة على التحول من نوع إلى آخر، بل يكفي أن أرى الآثار على هذه العملية، ومن بعض هذه الآثار: وجود عظمة الحوض في جسم الحوت وغيرها. والمعني بفهم النظرية يبحث ويقرأ عنها ولا يكتفي بهذا التهريج الإعلامي!!

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019