الجمعة، 23 ديسمبر 2016

إنه صديقيَ واسمُهُ يُشبِهُ اسمِي



كنتُ أريدُ طوالَ عمري أن أطيرَ، وكانَ لديَ جناحانِ أبيضَانِ جميلانِ، وحلمٌ بأنني عصفورٌ في رِحابِ السماءِ أحلِّق، أحلمُهُ كلَ ليلةٍ قبلَ أن يضغطَ النومُ بأصابِعِهِ الثقيلةِ على عينيّ ..

إيييه .. حياتي صندوقُ ذكرياتٍ وأحلامٍ مؤجلةٍ، والماضي ثقبٌ أسودٌ يسحبني إِلَيْهْ فتسحقني الكآبة. خمسُ شعراتٍ في مقدمة رأسي شِبن فجأة، ومؤخراً، حين كان الحلاق يقص شعري، قال لي: "ما زلتَ في عزِّ الشبابِ يا رجل، فمن أين أتى كلُّ هذا الشيبُ في رأسك؟!" فسألته إن كان يقصد الشعرات الخمس، فقال: "لا، هنالك شعراتٌ أُخَر" وصار يعدها ويشير بإصبعه إليها. وبينما كان يفعل ذلك كنتُ أنظر في المرآة أتأملُ ملامحَ وجهي التي غاصت وماجت وأكلتها التجاعيد، وأَغمضتُ عيني أُحاول أن أتذكر كيف كان شكلي .. يا الله! كأن وجهي ليس لي!

أنظرُ إلى صورتي قبل ست سنوات، فأجدني قد كنتُ شاباً يافعاً مُشرقَ الوجه، يملأه الجمال ودعة النفس، واليوم كلما واجهت نفسي في المرآة ازدادت كآبتي .. أفكرُ بالانتحار .. تلازمني الفكرةُ منذُ سنواتٍ، ولكَثْرَةِ ما قَلَّبْتُها في رأسي؛ أكلني الصُداع. وقررتُ ذاتَ مرةٍ أن أحسمَ الأمرَ وأنتحرَ، واضعاً حداً لمعاناتي.


أقفلتُ بابَ غرفتي وألقيتُ بالمفتاحِ على جبل النفايات التي تراكمت منذ شهور على أرض الغرفة، أحكمتُ إغلاقَ النوافذ، وأسدلتُ الستائرَ لتستر ضعفي وبؤسي، حملتُ في يدي عشرين حبة "أسبيرين"، وكأسَ الماءِ في الأخرى، وقلتُ لنفسي: "أبتلعُ الحبوبَ ثم أنامُ إلى الأبد".

وما إن اقتربت يدي من فمي، حتى قفزَ السؤالُ فجأةً أمامي: وماذا بعدَ الموت؟!

لديَ الكثيرُ من الأمراضِ العويصةِ والمشاكلِ المعقدة، وأشدُّها تعذيباً لي التفكيرُ الطويلُ الزائدُ عنِ الحد في أبسط الأمور وأعقدها، في أقلها شأناً وأعظمها، كأن أفكر أحياناً في عدة أسئلة ساذجة إلى حد السخف، مثل: "لماذا لا يطير النمل؟ ولماذا هذه الجناحات الرقيقة للفراشة؟ لماذا يحفرُ الخلدُ جحره تحت الأرض؟ وكيف للطائر أن يكون مفترساً؟ لماذا نصير من بعد الموت غباراً؟ وبأي حقٍ يأكل الدودُ هذا الجسدَ المفرِط بالدقة والتعقيد؟! ماذا لو لم يأكل الدود أجسادنا؟"

وأجدني غيرُ قادرٍ على فهم أي شيء دون أن أفلسفه فكرة فكرة، وأفككه قطعة قطعة، ثم أعيد ترتيبه من جديد؛ ومع ذلك فإن معظم الأشياء غالباً ما تظلُّ عصيةً على الفهم! ويزداد عذابي بالذات أمام القضايا والأسئلةِ الوجودية التي لا حلَ لها، كفكرةِ الموتِ مثلاً، فما إن سألتُ نفسي ذاك السؤال؛ حتى اندلع لهيبُ الأفكار في رأسي.

شهقتُ كالملسوعِ وتَجَهَّمَ وجهي كما لو رأيتُ شبحاً، تأمَّلتُ الحبوبَ في يدي ثم نَفَضْتُها، ووضعتُ كأسَ الماءِ على المنضدةِ. أحسستُ بجيشٍ منَ النملِ يرقصُ فوقَ جلدي، وخدرٍ يسري في أطرافي، وفجأةً ما عادت قدماي تُطيقان حملي، فوقعت في أرضي، وملامحُ الصدمةِ ما زالت على وجهي، وشعورٌ بالشوقِ لصديقٍ قديمٍ تملكني. ثم خطرت فكرةٌ مجنونةٌ في رأسي الصغيرِ المُضحكِ، كحبةِ الشمام كما اعتادوا أن يسخروا مني عندما كنت طفلاً.

وقفت، مشيت نحو الكرسي وأزحتها إلى وسط الغرفة، وضعتُ عليها وسادةً، ألبستها سترتي وقبعتي وبِنطالي، جلبتُ حذائي، وضعتُه تحت الكرسي، ودسستُ فيه أطرافَ البنطالِ. جلستُ على طرفِ السريرِ، ووجَّهتُ وجهي لصديقيَ الذي خلقتهُ منذ قَليل، أقنعتُ عقلِيَ، أنني لستُ مجنوناً، إنما أخاطبُ شخصاً يجلسُ أمامي، إنه صديقيَ، صديقي هو بعينه، لا مجال للشك، أعرِفُهُ جيداً، شكْلُهُ هكذا، اسمُهُ يُشبِهُ اسمِي، يُخفي وَجْهَهُ تَحتَ القبعةِ، هذه هي طبيعتُهُ، إنه خجولٌ نوعاً ما، فلا بأس.

وخضت في الكلام كما تخوض السفن في محيطٍ لا ينتهي، وقد قلت مما قلت، مخاطباً صديقي: " تخيل يا رجل ماذا قال لي مرشدي النفسي اليوم! يقول لي: إنه عليَّ أن أعتذر دوماً من كل خطأ أرتكبه، وكل ابتسامة باردة أبتسمها. وإنه عليَّ أن أحافظ على الناس من حولي، وأن أعُد للعشرة قبل أن أتفوه بأي حماقة! وأن أعطي لمن أحبهم كلَّ ما عندي، وأن أسعى لبناء علاقاتٍ حقيقيةٍ مع الناس. فقلتُ له بعد أن أثار قَرَفي ونفخ رأسي بالكلام المبتذل: حسناً .. سأظلُ أخطئ، وسأعتذر في كل مرة. والخطأ القادم الذي سأعتذر منه، عندما أقتلك. فانفجر ضاحكاً! .. يخرب بيته ما أبرده!! ... وفي الأمس يا صديقي، بينما كنتُ أمشي مسرعاً لقضاءِ أمرٍ تافهٍ جداً، تعثَّرتُ وكِدتُ أقعُ أرضاً، لولا أنني أسندت نفسي بلحظةٍ خاطفة وتمسَّكتُ بالحائط؛ فانخلع مفصلُ كتفي من مكانه وصارت هيئتي تشبه "الزومبي". حسناً، ليس هذا ما همني حينها، بل الألم الفظيع الذي تقريباً شلَّ نصفَ جسدي، فارتميتُ أرضاً، وبعد محاولاتٍ حثيثة نجحتُ في إعادة مفصلي إلى مكانه، فعادت هيئتي إلى طبيعتها. وحين تذكرتُ كيف كان شكلي، انفجرت ضاحكاً! ولكن الأهم من كل هذا هو أنني لم أجد أحداً لأخبره بما حصل، وأصف له كيف كان شكلي؛ لنضحك سوية على هذا الحدث التافه".

وبينما كنتُ أتحدث أنا بحماسة ولهفة، كان صديقي ينظر إليَّ صامتاً ساهماً، ولم أعرف بماذا كان يفكر حينها، فاشتد الأسى على قلبي، ولسَعَت المرارةُ حلقي، فقلت: "حسناً، أعترف بأنني صديقٌ سيءٌ جداً، وأخٌ مثيرٌ للشغب، وابنٌ ضالٌ مزعج، وعاشقٌ أحمق. وأظن أنني سأكون زوجاً حقيراً لو تزوجت، ومثالاً تاريخياً للأب الطالح فيما لو أنجبتُ أطفالاً، لربما أفوقُ "جان جاك روسو" حقارةً في هذا الشأن. وأعترف أيضاً أنني لا أعرف أي معنىً للعلاقات الإنسانية أو هدفاً أو مغزى، وأنني لا أهتم بمشاعر الآخرين أو مشاعري، ولا أعطي لها بالاً، أو التفاتاً، ومهما حاولت إلى ذلك سبيلاً، فإنني دوما أجد الأمر شديدَ السُخف والابتذال. والحق أقول، لقد جرحتُ مشاعرَ مئات الناس دون أن يرف لي جفن. وعليك أن تعرف يا صديقي أنني حتى الآن ما زلتُ أبحثُ عن معنىً للحياة، وبيني وبيني، أتساءل بعد كلِّ هذا: لماذا ما زلتُ حياً بحق الله؟!"

ثم صمتُّ وامتد الصمتُ أمامنا طويلاً شاسعاً يثيرُ الحنق، كصحراء باردة تخلو من كل شيء عدا الكآبة والأسى، فغطيت وجهي بيدي وبكيت بمرارة وألم. وبينما كنت أنشُج وأفرِّغ ما في قلبي من بؤس وهلع، نطق صديقي أخيراً، وقال مما قال: "... بإمكانك أن تكونَ معهم، أن تحادثهم، تمازحهم، تبكي جراحهم، تسمع همومهم. ولكن كن وحيداً ... ولو كنتَ بين ألفٍ، عليك أن تظل وحيداً ... وأن تكون أدقهم ملاحظةً، وأكثرهم شغفاً، وأجرأهم إلى القول، وأقواهم ... أن تلاحظ كل الأشياء وتفهمها. تسمع كل الأحاديث، جيدة كانت أم قاسية وتبتلعها. تسمع كل الأصوات عذبة كانت أم نشازاً، وتتظاهر بأنك تترنم طرباً ... مبتسماً دوماً، شاهراً أسنانك كسيفٍ إلى كلِّ النكات، مضحكة كانت أم بائخة ... وإن سألك أحدٌ عن الوحدة، فما عليك إلا الكذب ... وحين تعودُ إلى البيتِ وحيداً، احتضن سريرك، واسحب بطانيتك ببطءٍ واخلد إلى النوم، بعد أن تملأ رئتيك بالدخان..."

وبينما كان صديقي يحكي، كانت خيوط الشمس تتسللُ من خلفِ الستائر، كتسللِ اليدِ إلى فعلِ الحرام، وحين انتبهتُ لحضورها، قمتُ نحوها كمن اكتشف لتَوِّهِ جنايةً، وأبعدتُ الستائر فانفجر الضياءُ في المكان. ثم فتحتُ النافذة، فهبت علينا نسمات الصباح كما تهب عاصفةٌ على السفن الجارية في البحار فتقتلع أشرعَتها، فاقتُلِعت منا أشرعة الكلام، وكالصمت الرهيب بعد العاصفة صمتنا، وعندما لم أعد أسمع سوى الصمت، شعورٌ بالسكينة ألم بي، فوجدت نفسي كالتائه حين يجدُ برّ الأمان، قد هدأت سريرتي وانفك غمي وانزاح الهم عن قلبي. فقفزتُ كالمجنونِ واحتضنتُ صديقي، وبينما كنت أحتضنه وأشد عليه بذراعاي بقوةٍ، وجدته ينساب مني كانسياب الماء في الوديان، ويتبعثرُ كُلُ عضوٍ منهُ فِي جهةٍ، وبعد هنيهةٍ تلاشى كل شيءٍ كما يتلاشى الضباب، وانجلى المشهد أمامي وازداد وضوحاً وصفاء.

يا لبؤسِيَ! لوهلةٍ أجبَرني خيالي على التصديق بأن هذا هو صديقي، ولكنه حين تبعثر مني أعادني إلى الواقع، إلى حقيقة أنني أخدع نفسي وأسخر منها، وأنا الذي لم ينجح أحدٌ قط في خداعي، ولطالما كنت أنا الساخر الأخير من كل من ظنوا أنهم انتصروا عليّ؛ فغضبت لأن كل شيء لم يكن حقيقياً، وفكرت قليلاً وصرخت كالنائحة: "كل شيء زائفٌ، زائفٌ جداً، حتى أنا زائف، الزيفُ يَملأُني. يا رب، لماذا وهبتني هذا العقل ذا الجوع الأبدي، المؤرَّق، المُنهك، المُثقل بالأفكار، والألغاز غير المحلولة بعد؟ لماذا كل هذا؟".

وحين اشتد غضبي حملتُ كأسَ الماءِ عن المنضدةِ وكسرته، فوقعَ نظري على جبلِ النفاياتِ، ورأيت مما رأيت عشراتِ علبِ الأسبيرين الفارغةِ، ومئاتِ الحبوبِ المبعثرةِ، والكؤوسِ الكثيرةِ المكسورةِ كقلبي. استلقيتُ على السريرِ، احتضنتُ وسادتي، سحبتُ بطانيتي بتثاقلٍ وغطيتُ كلَ جسدي، غَمَمتُ رأسيَ تحتها وسالت دموعي، وعلا نحيبي إلى أن نمت.

أكرهُ الليلَ، والذكرياتِ، والماضيَ الذي يشدني، أكرهُ كل الحياة وكل الأحياء. الليلُ مروعٌ جداً، ويثير فيَّ الرغبةَ بالانتحار، الذكرياتُ عناكبُ عششت في زوايا الزوايا، تنهش قلبي بين حين وحين، أما الحياة فغابة، فيها وحوش كالبشر تتربص بي .. ولولا صديقي الذي أخدع به نفسي كل مرةٍ، لقتلتُ نفسيَ منذُ زمنٍ وانتهى الأمرُ. ولكنني يوماً ما، لن أنخدع. وسينتهي الأمرُ.

أكرهُ الليلَ، وأكرهُ صديقيَ.

السبت، 8 أكتوبر 2016

كيف تقرأ لغة الجسد وتعابير الوجه؟

أولاً: ما هي لغة الجسد؟

الصورة لـ "John Evans"

 يُعنى بلغة الجسد: الإشارات الجسدية، غير اللفظية التي يستخدمها البشر للتواصل فيما بينهم. حيث تختلف معاني بعض هذه الإشارات من مجتمع إلى آخر، إلا أنه لا يوجد مجتمع بشري على وجه الأرض لا يستخدم هذه اللغة كطريقة للتواصل.

ووفقاً للعديد من الباحثين والخُبراء، تُشَكِّل هذه الإشارات غير اللفظية جزءاً كبيراً من الاتصالات اليومية، حيث يُعتقد أنها تُشَكِّل ما نسبته 50 إلى 70٪ من عملية التواصل البشري، من تعابير الوجه إلى حركات الجسد، حتى صمتنا في بعض المواقف بإمكانه أن ينقل كمية من المعلومات إلى الطرف الآخر.

إن فهم لغة الجسد أمر مهم، ولكن من الضروري أيضا أن نولي اهتماما لإشارات أخرى ونحن في صدد قراءة لغة الجسد لدى الآخرين، مثل السياق الذي حدثت فيه تلك الإشارات. وفي جميع الأحوال، يجب أن ننظر إلى هذه الإشارات كمجموعة متكاملة.


فمن أجل تشكيل قراءة واضحة عند محاولة تفسير لغة الجسد، عليك أن تتعلم الكثير عن الحركات غير اللفظية التي يستخدمها البشر، ومعانيها التي تختلف وتتغير حسب الزمان والمكان والسياق.


ثانياً: تعابير الوجه

الصورة لـ "ZoneCreative – iStockPhoto"

فكِّر للحظة في مدى قدرة الشخص على نقل مشاعره فقط من خلال تعابير الوجه! قد تشير الابتسامة إلى الموافقة أو السعادة، في حين يشير التجهم إلى الرفض أو التعاسة. ففي بعض الحالات، تكشف تعابير الوجه لدينا عن مشاعرنا الحقيقية إزاء حالة معينة أو موقف معين أو شخص معين. بينما في بعض الحالات قد نقول إننا على ما يرام، فيما تنقل تعابير وجوهنا إلى الآخرين خلاف ذلك!!

الوجه مرآة لمشاعرنا، وتتصف تعبيراته بالعالمية.

تعتبر تعابير الوجه من بين أكثر أنواع لغة الجسد عالميةً. فالتعابير التي تُستخدم لإظهار الخوف والغضب والحزن والسعادة هي نفسها في جميع أنحاء العالم. حيث وجد الباحث الأمريكي بول إيكمن (Paul Ekman) أن هناك مجموعة متنوعة من تعابير الوجه ترتبط على الدوام بمجموعة معينة من العواطف. مما يُضفي على هذه التعابير صفة العالمية.


ثالثاً: لغة العيون

الصورة لـ "Helmut Gevert"

كثيراً ما يشار إلى العيون على أنها "نوافذ الروح" لما لها من القدرة على كشف الكثير حول شعور الشخص، وما يدور في خلده. فأثناء الانخراط في محادثة مع شخص ما، لاحظ حركات عينيه. نسبة التحديق؟ معدل رمش العين؟ حجم البؤبؤ؟

أفق العين / نسبة التحديق: عندما ينظر الشخص مباشرة إليك، فإن ذلك يدل على رغبة واهتمام بك. ولكن قد يعني التحديق بك لفترة طويلة؛ تهديداً في كثير من الأحيان، أو ربما على الأقل سيُشعِرُكَ بالتهديد. ومن ناحية أخرى، فإن كسر التواصل البصري، والنظر بعيداً بشكل متكرر قد يشير إلى أن الشخص مشتت الذهن أو منزعج، أو يحاول إخفاء مشاعره.

معدل رمش العين: الرَمش أمر طبيعي، ولكن يجب أن نولي اهتماما لما إذا كان الشخص يرمش أكثر من اللازم أو أقل. فالناس بالعادة ترمش بسرعة أكبر عندما يشعرون بالحزن أو الانزعاج.

حجم بؤبؤ العين: أحد أكثر إشارات العيون دقة هو حجم بؤبؤ العين، صحيح أن الضوء يتحكم بحجم البؤبؤ، إلا أن المشاعر أيضاً تفعل ذلك. فعندما يتسع البؤبؤ، يُفهم من ذلك أن الشخص إما يشعر بالخوف منك، أو ربما يعني ذلك أنه منجذب تجاهك. فيما يعني تَضَيُقه شعور بالكراهية، أو قد يضيق البؤبؤ عند سماع كلام بذيء أو مؤذي.


رابعاً: تعابير الفم

الصورة لـ "Matteo Canessa"

تعبيرات وحركات الفم لها دور أساسي في لغة الجسد. فمثلاً، العض على الشفة السفلى قد يشير إلى القلق، والخوف، أو عدم الراحة. وتغطية الفم قد تكون في العادة محاولة للتغطية على استهجان أو استنكار شيء سمعه الشخص. والابتسامة يمكن أن تُفَسَّر في نواحٍ كثيرة. فقد تكون ابتسامة حقيقية، وقد تكون للتعبير عن سعادة زائفة، السخرية، أو حتى التهكم والاستخفاف.

انتبه إلى الإشارات التالية:

شفتان مزمومتان: قد تكون الشفاه المزمومة مؤشراً على النفور، الرفض، أو الريبة وعدم الثقة.

عض الشفة: للتعبير عن التوتر والقلق، أو الضغط النفسي، أو إيحاءة جنسية.

تغطية الفم: لإخفاء رد فعل عاطفي، تجنُّب عرض ابتسامة. وقد يكون دلالة على الكذب.

حركة الشفتان للأعلى والأسفل: تغييرات طفيفة في الفم تعتبر مؤشرات حول ما يشعر به الشخص. فعندما يتم رفع الشفتين إلى الأعلى، قد يعني الشعور بالسعادة أو التفاؤل. من ناحية أخرى، انخفاض الشفتين إلى الأسفل قد يكون مؤشراً على الحزن أو الرفض، أو الغضب.


خامساً: إيماءات اليدين

الصورة لـ "Henning Buchholz "

يمكن لإيماءات اليدين أن تكون إحدى أكثر الإشارات مباشرةً ووضوحاً. فمثلاً، التلويح، التأشير، واستخدام الأصابع للإشارة إلى كميات عددية هي إشارات شائعة جداً. ولكن قد تختلف بعض معانيها بحسب الثقافة، فمثلاً قد تعني إشارة الإبهام إلى أعلى أو إشارة السلام (V) في بلدٍ ما، معنىً مختلفاً تماماً عن معناها في بلد آخر.

انتبه إلى الإشارات التالية:

قبضة اليد: يمكن أن تشير إلى الغضب أو التضامن.

الإبهام إلى أعلى أو إلى أسفل: غالبا ما تستخدم هذه الإيماءات للموافقة أو الإعجاب وعدم الموافقة أو عدم الإعجاب. إلا أنها في بعض الثقافات قد يختلف معناها حسب السياق، فمثلاً في بريطانيا وأستراليا ونيوزلندا لهذه الإشارة (الإبهام إلى أعلى) أكثر من معنى؛ واحد من المعاني هو الموافقة، والثاني هو عندما يستخدمونها لركوب السيارات تطفلاً، والثالث هو إشارة بذيئة. ويختلف معناها حسب السياق.

إيماءة :(OK) حيث يتم تشكيل دائرة بالسبابة والإبهام ورفع الأصابع الباقية إلى أعلى، يمكن أن يستخدمها الشخصي ليعني بها أنه على ما يرام. ولكن في بعض أجزاء أوروبا، يتم استخدام نفس الإشارة كنوع من الإهانة كأنه يقول لك: أنت لا شيء. وفي بعض دول أمريكا الجنوبية، الإشارة ذاتها يُقصد بها حركة بذيئة.

علامة :V تعني هذه الإشارة السلام أو النصر في بعض البلدان. وفي المملكة المتحدة وأستراليا، تأخذ هذه الاشارة معنىً عدوانياً أو بذيئاً عندما يتم قلبها أفقياً.


سادساً: إيماءات الذراعين والساقين

الصورة لـ "Malias - http://www.flickr.com/photos/malias/106819749/"

الذراعان والساقان ينقلان الكثير من المعلومات غير اللفظية. يمكن لتكتيف الذراعين التعبير عن اتخاذ الحالة الدفاعية. ووضع ساق فوق الأخرى في اتجاه بعيد عن شخص آخر قد يشير إلى الكراهية تجاهه أو عدم الراحة معه. إضافة إلى إشارات أخرى مثل توسيع أو تمديد الذراعين على نطاق واسع قد يكون محاولة من الشخص ليبدو أكثر سيطرة، بينما إبقاء الذراعين على مقربة من الجسد قد تكون محاولة لإبعاد نفسه من دائرة الاهتمام.

انتبه إلى الإشارات التالية:

تكتيف الذراعين: قد تشير إلى أن الشخص يتخذ الوضعية الدفاعية أو الحماية الذاتية أو أنه منغلق على نفسه.

الوقوف ووضع اليدين على الوركين: قد تكون مؤشراً على أن الشخص جاهز ويمتلك زمام السيطرة، أو قد تكون علامة على العدوانية.

شبك اليدين وراء الظهر: قد تشير إلى أن الشخص يشعر بالملل، القلق، أو الغضب. وقد تشير إلى ثقة عالية بالنفس.

النقر بالأصابع بشكل سريع: إشارة إلى أن الشخص يشعر بالملل، نفاذ الصبر.

وضع ساق فوق الأخرى: إشارة إلى أن الشخص منغلق على نفسه، أو أنه في حاجة إلى الخصوصية.


سابعاً: إيماءات وضعية الجسد

الصورة لـ "David Simmonds"

تعتبر وضعية الجسد جزءاً هاماً من لغة الجسد. ويعنى بوضعية الجسد الشكل المادي الإجمالي للفرد. فالوضعية يمكن أن تنقل ثروة من المعلومات حول مشاعر الشخص، وكذلك تعطينا عدة تلميحات حول خصائص شخصيته، مثل ما إذا كان واثقاً بنفسه، منفتحاً، مطيعاً.

فمثلاً الجلوس بشكل مستقيم قد يشير إلى أن الشخص منتبه ويولي اهتماماً وتركيزاً لما يجري حوله. وكذلك فالجلوس مع تحديب الظهر إلى الأمام، قد يعني أن الشخص يشعر بالملل أو اللامبالاة.

انتبه إلى الإشارات التالية:

الوضعية المنفتحة: يُقصد بهذه الوضعية الحفاظ على جذع الجسد مفتوحاً ومكشوفاً للطرف الآخر. هذه الوضعية تشير إلى الود والانفتاح، والرغبة بالآخر.

الوضعية المنغلقة: حيث يتم حجب جذع الجسد، والانحناء إلى الأمام مع الحفاظ على الذراعين والساقين متصالبات في كثير من الأحيان، هذه الوضعية قد تكون مؤشراً على العدوانية وانعدام الود، والقلق.


ثامناً: المساحة الشخصية

الصورة لـ "the Wikimedia Commons"

هل سبق لك أن سمعت أحدهم يشير إلى حاجته إلى "مساحة شخصية"؟ هل تشعر بعدم الارتياح عندما يقف شخصٌ ما في مساحةٍ قريبةٍ جداً منك؟ في هذا الجزء من المقال، سنتحدث عن المسافات التفاعلية بين الناس.

فكما أن حركات الجسم وتعابير الوجه تحمل كماً من المعلومات غير اللفظية، فإن الحيز المادي بين الأفراد يُخبرنا بعدة معلومات. حيث يصف عالم الأنثروبولوجيا إدوارد ت. هول (Edward T. Hall) أربعة مستويات من المسافة الاجتماعية بين الناس:

المسافة الحميمة 15 – 45 سم: هذا المستوى من المسافة غالباً ما يشير إلى وجود علاقة وثيقة وقدر كبير من الثقة. وغالباً ما يحدث أثناء اتصال حميم.

المسافة الشخصية 45 – 120 سم: المسافة في هذا المستوى عادة ما تكون بين أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين.

المسافة الاجتماعية 120 سم – 3.5 متر: يكون هذا المستوى بين المعارف. كزملاء العمل والدراسة والأشخاص الذين تربطنا بهم معرفة سطحية.

المسافة العامة 3.50 – 7.5 متر: نلاحظ هذه المسافة في حالات التحدث أمام الجمهور. كالتحدث إلى فصل مدرسي، أو تقديم عرض تقديمي في العمل.

ويجدر بالذكر أن مستوى المسافة الشخصية التي يحتاجها الأفراد للشعور بالراحة يمكن أن تختلف من ثقافة إلى أخرى. فمن الأمثلة التي يُستشهد بها كثيراً، الفرق بين أشخاص من ثقافات لاتينية وأشخاص من أمريكا الشمالية. فالناس من الثقافة اللاتينية يميلون إلى الشعور بمزيد من الراحة بالوقوف في مسافة قريبة إلى بعضهم البعض أثناء التفاعل، بينما في أمريكا الشمالية يشعرون بالراحة أكثر عند الحفاظ على المسافة الشخصية أثناء التفاعل مع الآخرين.

وأخيراً، عليك دوماً عند قراءة لغة الجسد أن تبتعد عن اجتزاء الإيماءات وتفسير كلٍ منها على حدة. بل يجب أن تأخذ جميع الحركات والتعبيرات والإشارات بعين الاعتبار، وأن تنظر لها كمجموعة واحدة، وذلك للحصول على قراءة أدق وأكثر مصداقية.

هذا المقال مترجم من هنا، ومنشور في موقع دخلك بتعرف

الأحد، 25 سبتمبر 2016

أنتَ هنا وإن لم يرَك

ESO/F. Comeron
أنتَ هنا، وإن لم يرَك، فلا تجتهد في إظهار نفسك؛ سيراك، سيراك ولو بعد حين. ربما إذا أبقيت على العفن يأكل جلدك، وتركت لدود الجهل أن ينهش عقلك، وأحرقت أصابعك التي تكتب فيها وأنت تحاول أن تطفئ شمعة فكرك، سامحا لضيائك أن يتلاشى في العتمة، ومحولاً نفسك من لؤلؤةٍ إلى حجرٍ أسود، ربما عندها سيراك.

أو قبل ذلك بقليل، عندما ستسمع حشرجة حلقه بوضوح، ثم ينفث آخر زفير ستسمعه منه في حياتك، وقبل أن تُغمَض عينيه لكي ينام إلى الأبد، لربما عندها سينظُر إليك؛ ليراك بعينين جامدتين. ستتذكر فوراً أنه مات قبل أن يُلاحظَ إشراقتك الكبيرة، ومقامك الدُريّ، الذي أغفله طوال عمره، عن قصدٍ، أو عن غيرِ قصد.

ولن تمتلك الجرأة لتقول له حينها: أنا هنا. فليس من اللائق أن تقول لمحتضرٍ: أنا هنا! ولن تنتظر روحه حتى تفارق الجسد؛ لتقولها، فليس من المنطق أن تقول لميتٍ: أنا هنا!

وعلى الرغم من أن لمَعانُكَ كان يُغشي أعين الآخرين، إلا أن عينيه هو بالذات – التي عذبتك طوال عمرك بنظرتها المخذولة – لم يكن عليها أن تُغشى بلمعانك ككل الأعين الأخرى فحسب، بل كان يجب عليها أن تنظُر إليك بعين الفخر، وأن تنظر فيك بعين الحب، ولو لمرة في العمر.

أحقاً ستكفيك نظرته الضبابية الغامضة وهو على فراش الموت؟! وعندما سيُحشرِجُ حلقه، ويَعلقُ الكلام فيه، أتُرى كان يحاول أن يقول: "كنتُ فخوراً بك"؟! أم أنه كان يريد أن يكرر نفس الجملة التي سمِعتَها منه طوال عمرك: "لقد خيبتَ ظني إلى الأبد"؟ حين كان يقولها بطريقةٍ مرعبة، تُشعرك بأن الصبح لن يطلع، وأن العتمة ستأكل قلبك.


عندها سيضيق صدرك، سيتضاعف قهرك، وستلتهم النار قلبك، لا لأنك فقدت عزيزاً، ولا لأنك تذكرت أنك ذات مرة في إحدى أيام مراهقتك كنت حادَّ المزاج معه فرفعت صوتك قليلاً عليه، مما جعلهُ يُعرض عنك لأكثر من أسبوع! بل ستتذكر أمراً أشدُّ قسوةً من كل ذلك، ستتذكرُ أن العمر فات قبلَ أن يراك، وفي هذه اللحظة تماماً ستنطفئ مثل نجمة، متقوقعاً على ذاتك ومتحولاً بالتدريج إلى ثقبٍ أسود، ستقع مُنهاراً كجبلٍ جليدي، أو ستسقط مثل حصان في سباق، لا فرق! وربما سيبتل خداك، ثم ستتبخر عيناك من محجريهما، ولن ترى بعد ذلك إلا الغباش.

الخميس، 22 سبتمبر 2016

قبل أن تنقد أحداً عليك معرفة هذه الأمور.



من الضروري بدايةً، أن نعرف ونفَرِّقَ جيداً بين مصطلحين يكثرُ الخلطُ بينهما؛ النقد (Critique) من جهة، والانتقاد (Criticism) من جهة أخرى، فهناك فرقٌ كبيرٌ بين هاتين المفردتين، بالرغم من أن معظم الناس يستعملونهما قاصدين بهما نفس المعنى.

فالنقد يُعرَّف لغةً بأنه: "تمييز الجيد من الرديء، والحسن من القبيح". ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: "بيانُ الأخطاء ومحاولة تقويمها".  وحسب مُعجم المعاني الجامع: "نقَدَ الشّيءَ: بيَّن حسنَه ورديئه، وأظهر عيوبه ومحاسنه".

وتأسيساً على ذلك نَخلُص إلى نتيجة، أن النقد هو اصطلاحاً يعني: "فعلٌ غير منحاز، يوَضِحُ الإيجابيات والسلبيات دون اتهام أو تقريع أو اعتداء، وينتهي إلى تحليلٍ مفصل وتقييمٍ للشيء محل النقد".

في حين أن الانتقاد يهتم أكثر بتصَيُّد الأخطاء والجوانب السلبية دون تصويب أو تبيان للحقيقية ويتوجه غالباً لذم أو انتقاص صاحب العمل ذاته. ويُعرف بأنه: "التعبير عن عدم الموافقة على شخص أو شيء" فهو بالعادة عملٌ سلبي غيرُ مُدَعَّم بالأدلة أو التوضيحات.

والإشكال الكبير اليوم هو أن معظم النُقَّاد لا يجيدون غير النظر للجانب السلبي (وهو جانب مفترض في أي عمل) وبالتالي فهم لا يُضيفون شيئاً لمسيرة الإبداع والإنتاج. ولهذا السبب لا يتذكرهم الناس، ولا يحتفظُ التاريخ بأسمائهم، إلا ما ندر!

وبغض النظر عن كل التعريفات، فالنقد سواءً كان نقداً ذاتياً أم نقداً غيريّاً، هو عملية مهمة جداً في مسيرة تقدم البشرية وارتقاء المجتمعات، وضرورية لتطور كافة أنواع الإبداع، فمع التطور الكبير الذي تشهده الأجناس الإبداعية من سينما، مسرح، موسيقى، رواية، شعر وقصة وغيرها من الفنون. نجد أنه لا بد من وجود حركة نقدية موازية لما يتم عرضه وتقديمه من إبداعات في شتى المجالات. وبدون وجود نقد حقيقي، لما يُعرض ويُقدَّم من إبداعات، فلن يكون هناك أي فرصة للتطور والارتقاء، والبعد عن الأخطاء.

وفي الآونة الأخيرة نلاحظُ ازدياداً ملحوظاً في ممارسة النقد من قبل الكثيرين في العالم العربي، وبالرغم من كثرة الأخطاء التي تشوب هذه الممارسة، إلا أنني أرى أنها حالة صحية وجيدة، حيث نستشِفُ من ذلك، بأن المجتمعات العربية قد بدأت تُدرك وجود الأخطاء، أو على الأقل بدأت تشعر بها.

إلا أن طريقة ممارسة النقد لدينا، يشوبها عدة عيوب، ففي الغالب نرى أن عملية النقد لا تكون مكتملة وكافية لإعطاء ملخص نهائي للمشكلة محل النقد. إضافة إلى رفض فئة أخرى من الناس للنقد واعتباره تعدياً وتهجماً عليهم وعلى معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ...الخ.

وأعتقد أن ذلك يعود لسوء فهم الناقد والمنقود لعملية النقد والطُرُق الأسلم لممارستها، وانتحائهم نحو ممارسة الانتقاد بدلاً من النقد. وسأحاول من خلال هذه المقالة أن أُلخِّص أهم الملاحظات حول عملية النقد وتوضيحها قدر الإمكان.

أولاً: النقد هو إظهار السلبيات والإيجابيات من وجهة نظر الناقد المتخصص والدارس للمسألة، وليس فقط السلبيات. كما ويُظهر كوامن الضعف وكوامن القوة أيضاً، وقد يقترح أحياناً الحلول. وهناك نوعان للنقد، نقد خارجي وهو النظر في أصل المسألة، ونقد داخلي وهو النظر في المسألة نفسها من حيث التركيب والمحتوى.

فمثلا لو كان موضوع النقد هو نص قانوني، فإن النقد الخارجي له يكون في أصله ومصدره والسبب والغاية والهدف من وضعه وهل يمكن تحقيق الغاية المرجوة منه أم لا؟ أما النقد الداخلي له فيكون في ماهية الأمور التي يغطيها والتي لا يغطيها هذا النص، وهل تم بناؤه بشكل سليم وكافٍ أم لا، وهل هناك تعارض بينه وبين نصوص أخرى أم لا، وما هي طُرُق وكيفية وإمكانية تطبيقه وما هو مداه؟ ...الخ.


ثانياً: ليست مهمة الناقد تقديم الحلول، إنما الإشارة فقط إلى إيجابيات وسلبيات المسألة، أما الحلول فهي مهمة الباحثين عن الحلول. يعني هذا أن هناك شخص يقوم بتقديم الزبدة والنتيجة النهائية وتلخيص حالة المسألة موضوع النقد، وهناك شخص آخر يأخذ خلاصة كلام الناقد بالاعتبار خلال رحلته للبحث عن حل للمشكلة. إلا أنه لا يوجد مانع في أن يُقدم الناقد أحياناً الحلول، إن كانت لديه القدرة على ذلك، وقد يقوم بعمل الوظيفتين؛ النقد والبحث عن الحل. إلا أن المسألة تبقى على قدر استطاعته.


ثالثاً: لا يوجد نقد بنّاء وآخر هدّام، النقد نقد وكفى!

يمكننا أن نقول: هذا نقد سليم للمسألة، ثم نرد عليه أو نأخذ به إن أقنعنا. أما إن كان النقد غير سليم فببساطة نقول هذا ليس نقداً وانتهت المسألة. حيث إن النقد كالمعادلة الكيميائية قائم على أسس واضحة كما ذكرت في النقاط السابقة، وليس أي نقد يُعتبر نقداً. فهناك من يوجه انتقاداً (وليس نقداً) لمسألةٍ ما فقط بدافع كرهه لصاحب هذه المسألة، وهناك من يقدم نقداً سليماً للمسألة، النقد الأول الذي اعتدنا على أن نسميه "نقداً هداماً" لا يعتبر نقداً أصلاً!! بل هو الانتقاد الذي يذهب جفاءً، ببساطة لأنه غير قائم على الأسس السليمة للنقد.


رابعاً: النقد اهتمام، وليس تهجماً أو كراهية.

فنحن نشير الى الخطأ من أجل إصلاحه والوصول إلى الأفضل، ونشير إلى الصواب من أجل تثبيته والاستمرار به وتطويره. والنقد لا يحط من قدر المسألة المنقودة، إذ أننا لا ننقد إلا ما نراه جديراً ومستحقاً للنقد.



وختاماً، إن كنتَ شخصاً يمارِسُ النقد، فليس هناك أفضل من الرفق واللين والكلمة الطيبة عند نقد أي شخص أو تصرف أو نتاج إبداعي ما. فسواء اخترت كلمات قاسية أو كلمات لطيفة، ستصل الفكرة، فالأفضل لكَ ولغيركَ أن توصلها بكلمات أبعد ما تكون عن القسوة والغلو. أما إن كنتَ شخصاً يمارَسُ النقد عليه أو على إنتاجه أو تصرفه، فعليكَ دوماً أن تأخذ النقدَ بجديةٍ، فهو فرصة عظيمة لتطوير ذاتك ونتاجاتك. وإن كان نقداً قاسياً بعيداً عن اللين، فعليك أن تصبر وتبحث في مضامينه عما يفيدك.

المصادر:

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019