الجمعة، 3 يناير 2014

احذر ان تخطيء التوقيت ...



الصورة ليوسف شكارنة، الزمن القادم


مَدَّ يده إلى الحقيبة التي تحوي اللغم، ضبط المؤقت بدقةٍ وانتباهٍ بالغَين مستذكراً وصيةَ شيخه "احذر أن تخطيء التوقيت، فتنفجرُ القنبلة في وقت ليس وقتها ثم تأتي العواقب وخيمة"، ضغطَ على زرِ الساعةِ الموقوتة بعد ترددٍ شديد وألقى الحقيبة تحتَ إحدى الطاولات في صالة العرس، ثم انطلق هو وصاحبه، قدَّما تهانيهم الحارة للعروسين وراحا يمشيان بخطواتٍ تضيقُ وتتسع، بينما تَستَرِقُ أبصارُهُم بحذرٍ شديد النظرَ إلى الصالة.

يجلسُ الرأسُ الكبيرُ، مدبِّرُ العمليةِ، يراقب من بعيدٍ ويتلو صَلواتِه بينه وبين نفسه: "علَّه لم يخطئ التوقيت"، وداعياً ربه أن تتمَ عمليةُ تفتيتِ الأجسادِ هذه بنجاح. يَتحلَّقُ حوله مجموعةٌ من الذئاب البشرية، التي أقسمت الجِهاد في سبيل الله ضد الكفار، أعداء الله، أعداء الدين.

هُم يَعبُدونَ الله ولا يخافونه. يُصلَّون خاشعين، ولكن جلُّ تفكيرهم ينصب على اثنتان وسبعين حورية. يُسمُّون أنفسهم خلفاءَ الله ولا يملكون ذرة من دينه. عقدوا بينهم وبين الشيطان عقداً، يترُكُهم يصلُّون، مقابلَ أن يُنفِّذوا كل ما يأمُرُهم به، وأوامر الشيطان تأتيهم من خلالِ وكيلِهِ هذا، الراس الكبير، مدبِّرُ العملية.

"تَقرَّرَ اليوم أن يموتَ جميعُ المحتفلين، الراقصين، المُغنيين، العازفين، الفاسقين، الفاجرين، الأهل، الأصدقاء، الأقارب، والعروسان"

الصالةُ تَعج بالراقصين والمحتفلين والمُغني يقفُ على المنصة ويغني:
"وعن زفة العرسان يحكوا الخُرس
عرس الغوالي اليوم أجمل عُرس
غنوا معي رُشوا الورد والزهر
جيبوا المحابس حضروا الحنَّه
بَيّ العروس اختار أحلى شب
بَيّ العريس جاب الشمس كلها
غنوا معي رشوا الورد والزهر
جيبوا المحابس .....

لم يَكد المُغني يُنهي جملته، حتى اهتزت المدينةُ بِدويِّ الانفجار، فَغرِقَ المكانُ بالدخان وعَلَتْ الصَيحاتُ، وأبواقُ السياراتِ قادمةٌ من كلِّ اتجاه. كان سَرادِق الفرقةِ الموسيقية، المغني، الطاولات، الحضور، الراقصين، الكؤوس، الجرسونات، قالب الجاتوه، كما منصة العروسين. قد تطايروا أشلاءً، من خشبٍ، من حديدٍ، من زجاجٍ، ومن لحومٍ بشرية. وامتزج الدم بالعصير بالجاتوه بالمعادن، وتبعثر كل شيء. ذراعٌ هنا، فخذٌ هناك، أصبعين هنا، قيثارة هناك، يدٌ هنا، كمنجة هناك، رأسٌ هنا، طبلٌ هناك، حذاءٌ هنا. أنفٌ هناك، أذنٌ هنا ... الأجسامُ تَختلف، الاشلاء تختلف، الأشياء تَختلف، والأحمر القاني يَصبغ كل شيء.

الرأسُ الكبير، وذئابه مُنتَشونَ بما شاهدوا من أشلاءٍ بشريةٍ صارت تحتَ أقدامهم، وقفوا منتصبين وكبَّروا وحمّدوا وهلهلوا. قال الرأس الكبير: "الحمدُ لله، لقد نَجَحَتْ العمليةُ تمامَ النجاح، ولم نُخطئ التوقيت، كم هو مهمٌ التوقيت، فلو فَرَقَتْ ثانيةُ لَحوصِرنا على غير ما نتوقع ".

كم كان التوقيت صائباً ومفرحاً للذئاب البشرية وشيخهم. وكم كان خاطئاً ومفجعاً للعروسين والمحتفلين !!


تم النشر في مجلة فلسطين الشباب العدد 83

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019