الخميس، 14 يناير 2016

ها أنا أتخفى هنا !




هل نحنُ نرتكبُ خطأً فادحاً عندما ننشُدُ الحكمة، ونحاول أن نفلسف كل الأمور؟

أعني بكل الأمور، كلها بلا استثناء، وبما تحتويه الكلمة من معنى، حتى أبسطها وأسهلها علينا، بل ربما أكثرها استخداماً في حياتنا اليومية، مثل شكراً أو آسف أو كيفك؟، أو ماذا تفعل؟

لقد وصلتُ لدرجةٍ من الجنون، حيث صرتُ مؤرَّقاً دوماً لكي أعرفَ سببَ ودافع أي شخص للقيام بأي تصرف مهما كبر شانه أو تَفُه .. أريد أن أعرف سبب وقوف ذلك الشخص هناك تماماً على تلك المساحة من الأرضية بالضبط، لماذا وقف هناك تماماً؟ .. ولماذا تلك الصبية تحمل هاتفها وتنظر كثيراً في ساعتها وتتلفت يميناً وشمالاً؟، هل تنتظر أحداً؟ من هو يا ترى؟ ولماذا تنتظره؟ .. لماذا ذلك الشاب يرتدي سلسلة في رقبته؟...............

لماذا نشكر الآخرين ونعتذر لهم على أكثر الأمور سخافة؟ .. ما معنى سؤالي لكل من أعرف: (كيف حالك؟)، وهل عندما يجيب: (بخير / تمام / الحمد لله / جيد ...إلخ) يكون صادقاً حقاً في إجابته؟  ..

لماذا عندما يتصل بي (س) بعد سنين من الانقطاع، يسألني: "ماذا تفعل؟" هل هو حقاً يريد معرفة ذلك؟

لماذا لا يطير النمل؟ ولماذا هذه الجناحات الرقيقة للفراشة؟ لماذا يحفر الخلد جحره تحت الأرض؟ وكيف للطائر أن يكون مفترساً؟

لماذا بعد أن كبرنا، لم يعد الظلام يرعبنا كما اعتاد أن يفعل؟ بل صار حضننا المشتهى، ودثارنا المنتظر!

لماذا نصير من بعد الموت غباراً؟ ماذا لو لم يأكل الدود أجسادنا؟ وبأي حق يأكل الدود هذا الجسد المفرط بالدقة والتعقيد؟!

ها أنا أتخفى هنا، وأتآكل يأساً وهوساً، أحاول مرعوباً احتضان نفسي، لم أعد أستطيع أن أفهم شيئاً دون أن أفلسفه فكرة فكرة، وأفككه قطعة قطعة، ثم أعيد ترتيبه من جديد؛ ومع ذلك فإن معظم الأشياء غالباً تظل عصيةً على الفهم!

لماذا تموت الذاكرة هكذا، فننسى لحظات لم نكن نظنها ستنسى، لماذا لا يتبقى لدينا سوى الذكريات السيئة؟

يا رب، لماذا وهبتني هذا العقل ذا الجوع الأبدي، المؤرَّق، المُتعب، المُنهك، المُثقل بالأفكار، والألغاز غير المحلولة بعد؟

لماذا كل هذا؟


"اليوم هو الأحد، الخامس والعشرين من شهر أكتوبر للعام 2015، الساعة الآن الرابعة وخمسون دقيقة تماماً (عصراً)، جسدي منهك، رأسي يكاد ينفجر، عقلي يحاول جاهداً تمالك نفسه، لم أنم منذ الأمس، كنت أفكر وأحاول المذاكرة لامتحاني الذي على ما يبدو أنني لم أوفق في حل أسئلته جيداً اليوم. أشعرُ بجبلٍ يرقدُ فوق جفنيّ، وأشعرُ أنني لا أشعر بأي رغبة في النوم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع ما يُنشر هنا، هو نتاج فكري خاص بي، وأي انتحال له، سيعرض فاعله للمساءلة القانونية محمود ترابي © 2019